منتديات جمانة فلسطين

منتديات جمانة فلسطين (Http://www.jomana.net/vb/index.php)
-   إبداعاتكم الشعرية والنثرية والقصصية (Http://www.jomana.net/vb/forumdisplay.php?f=96)
-   -   قصاصة ورق ( قصة قصيرة ) (Http://www.jomana.net/vb/showthread.php?t=26709)

المهندس 04-12-2022 01:42 AM

قصاصة ورق ( قصة قصيرة )
 
قصاصة ورق
قصة قصيرة


مدخل:

( هناك أسئلة تبقى عالقة في الذاكرة، والإجابات تختبىء خلف ستار الحكمة الغيبية ..
ماذا يحدث؟ أين الخطأ ؟ وصولاَ إلى .. لماذا أنا ؟ )



( صيف 1985م )


يُدرِكُ بأن بغضهُ للمدرسة، والهروب منها، حتى تركها نهائياً؛ لن يقدمان له أكثر من هذه الوظيفة.
هو يُجيدُ السباحة منذ طفولتهِ، ولطالما كان يرى نفسه على منصات التتويج، وميدالية ذهبية تزين عنقه بفخر..
لكن إرهاق العمل جعله ينحسر رويداً رويدا عن ممارسة ما يحب.

لم يمقت يوماً عمله كعامل تنظيف لأحواض السباحة في هذا النادي الاجتماعي الراقي..

كان يرى علية القوم وعائلاتهم، يتخذون من أطراف المسبح متكآتٍ لهم، والنُدلُ يطوفون حولهم
بشرابٍ مُختَلِفٌ أصنافهُ، وأولادهم في المسبح يمرحون.

حتى إذا ما شارفت الساعة على الخامسة مساءً، بدأ بترتيب عدته في المخزن، والعائلات تغادر في مرحٍ إلى حديقة النادي، حتى يستقرون في عرباتهم الفارهة خارج أسوار النادي.

سَمِعَ جدالاً بين شخصين، فالتفت إليهما، وأحدهما يصيح ( ولدي يغرق )، والنادل بين يديه يُقسمُ بأنه لا يجيد السباحة..
ألقى ما بيده من عدة، وهرول إلى المسبح، وقفز في غير ترددٍ، إلى طفل يكاد يسلم روحه لخالقها..
سحبه بخبرةٍ إلى خارجه، وطفق ينفخ في فمه، كما تعلم من والده، رحمه الله.

نفث الله في روح الطفل فعادت إليه، وسعل لمراتٍ عديدة بين يدي والده، والنادل يحمد ربه.

هَمّ بمغادرة المكان وقد غرقت ملابسه، قافلاً إلى غرفته، على سطح بنايةٍ تكاد تهوي على رؤوس ساكنيها ..
لكن يد والد الطفل استوقفت كتفه..

- انتظر ... ما اسمك ؟
- جهاد.
- ساعدني لنحمل ولدي إلى السيارة، هيا أيها النادل، ساعدنا.

سارع إلى حمله حتى استقر في المقعد الخلفي، والنادل يحاول أن يخرج من خوفه الذي تملكه، ويتأكد من غلق الباب جيداً.

- ذكرني باسمك مجدداً...؟
- جهاد ، لا عليك.

- اعطني ورقة وقلم أيها النادل.
- تفضل

دون في عجالةٍ ،رقم هاتفٍ على قصاصة الورق، ثم قال:

- اسمع يا جهاد... هذا رقمي، واسمي، اتصل بي خلال ساعة، سأرسل لك مكافأة إلى باب شقتك، قبل سفري هذه الليلة.

انطلق السائق بعدها بسرعةٍ، ولم يكترث ( جهاد ) لعدم شكره .. ودس القصاصة في جيبه، وضغط عليها مرتين.
لم يكترث أيضاً إلى فقدانه آخر دينار لديه، وحث قدميه على المسير، حيث الهاتف الوحيد في حارته، عند الجزار..!

بين رغبةٍ بالفرح وخوف من خيبة الأمل، تغيرت ملامحه مرات عديدة، وفي عقله، تتكاثر الأحلام وتكبر، فيزفر.

فكر في دينه المتراكم، عند البقال الطيب فابتسم، وتذكر الجزار فتجهم.. لكنه يجهل طبيعة المكافأة.

وقف أمام واجهة ملابس، تعرض بدلاتٍ فاخرة، جرب نفسه أمامها، وللحظةٍ كاد أن ينسى ظله حين غادرها.

ولمّا أدرك مدخل الجانب الشرقي من حارته، توقف فجأةً، وشرعت يده تبحث في انهماكٍ عن قصاصتهِ.. وكاد أن يفقد عقله حين عادت إليه يده خاسئةً، حسيرة، فضرب جبهته بباطن كفه الأيمن، وأغمض عينيه، ثم زفر مرتين.
سم الله، وأعاد رحلة البحث في هدوءٍ هذه المرة، فتعثرت يسراه بما لم تظفر بهِ يمناه، فحمد وشكر.

شمر عن بنطاله، وبدأ بالقفز عن بقع الوحل المتناثرة في الحارة، وكان يقلقه بأن القفزة الأخيرة، ستجعله أمام جزارها مباشرةً، فإما أن يدفع ما عليه من دين، وإما أن يمارس رياضة الجري، التي تعلمها مجبراً منذ استوطن هذه الحارة.

في قفزته الأخيرة.. رأى قطاً يركض خلف فأرٍ يُمسِكُ بقطعة جبنٍ بشدة، تماماً كما يمسكُ به الجزار الآن..!

- أهلاً يا معلم ... كُنتُ أفكر بزيارتك للتو... سبحان الله.
- وسبحان من ساقك إليّ بغير ميعاد ... الحساب!

- طبعاً... طبعاً ... لهذا أتيت إليك، وسأرد لك الدّين كاملاً ، فقط ... اسمح لي أن أجري مكالمة واحدة من .. الهاتف.!
- ومع من ستتحدث يا عّفن... مع الوزير!

لطالما كان يمقت ضحكة المعلم، ويراها أشبه بخوار بقرة..

- اقعد يا معلم ، سأحكي لك ما حدث معي، ومع من سأتحدث، وبعدها افعل ما شئت.
- يا صبر أيوب ... قل وبسرعة ...

أخرج قصاصة الورقة من جيبه، وقال: أترى هذا الرقم يا معلم ..؟
- لا ... أعمى ... اختصر وإلاّ!

قال جملته في غضبٍ، ملوحاً بساطور يشبه ذراع حامله:

- سأخبرك ... سأخبرك ...


شرع يحكي ما جرى له في يومه، حتى انتهى ..

- اتصل بسرعة، وغداً أريد الحساب كاملاً وإلاّ!
- وزيادة يا معلم ... بكم كيلو اللحمة هذه الايام؟

قال جملته وهو يحرك قرص الهاتف القديم، والجزار يضرب بساطوره، فابتسم في خوفٍ وقال:

- صوت رنة، غداً سأشتري منك نصف كيلو ...
وأمام ضربات ساطوره، أدار وجهه للطرف الآخر ..


- الو ...
- ألو من معي ...؟

- أنا جهاد.
- من جهاد ...؟!

-الذي أنقذ ولدك من الغرق في المسبح اليوم.
- غرق ...! ، ولدي!

- نعم يا سيدي، وحملناه إلى السيارة مع النادل.
- أي نادل وأي سيارة ...؟ عن ماذا تتحدث ..؟!

- يا سيدي ... جهاد الذي أعطيته رقمك، وأخبرتني ان أتصل بك قبل سفرك.
- من تريد بالضبط ...؟

- يا سيدي، لماذا تفعل ذلك .... ؟ ألست السيد، لحظة لأقرأ الاسم، السيد ( ماهر الطيب ) ..؟
- يا أخي أفزعتني ...! لا .. الرقم خطأ .

ثم إن الاتصال قد قُطع..

ابتلع ريقه، وفكر بأن يعيد الاتصال مرةً ثانية، لعل عيناه قد خانته، والأرقام قد تتشابه ..
نظر إلى الساعة، يكاد عقربها أن يكمل دورته، أشار إلى الجزار وهمس:

- هل يمكن أن اعيد الاتصال ...؟ أرجوك

وأمام ساطوره قفز عن بقع الوحل، والقصاصة تحتضر في يده ..


حين قفز إلى عتبة البناية، خٌيل إليه، بأنه رأى قطاً يحمل بفمه فأراً، وقطعة جبن وقصاصته استقرتا في الوحل.

تمت

نادر يازمن 04-12-2022 03:30 AM

هي مقادير ونصيب وسبق القلم كل الفرص..
لكن رغم ذاك لا يأس فالكن واثقين بالله لعل في القادم ما هو أجمل ينسينا شقاء حاضر وماض ...

بورك فيك وفي فكرك اديبنا واستاذنا المرهف ..
دوما التألق عنوانك والبلاغة نهجك والفصاحة صفتك
يسرنا تواجدك بيننا منك نتعلم ونستفيد خذ بأيدينا استاذنا
للنور البهاء للرقي ...
خالص مودتي
نادر يازمن
...

هدوء . 04-12-2022 07:39 AM

دوما للتالق عنوان هو انت
رائع ما نثرته هنا
عجز قلمي عن شكرك
كل االاحترام والتقدير لك
تقيمي وختمي
سلمت الايادي

ورد 04-12-2022 01:05 PM

خطر ع بالي مثل بختصر قصتك
اللي مالوش بخت بلاقي العظم في الكرشه،
وهاد جهاد،،
فعلا هيك الحياه
جميل جدا انه يكون في ناس هيك
بترمي حالها ع الموت عشان الاخرين
وبنفس الوقت
خساره انه يكون في ناس هيك
كذب ونكران للجميل متل والد الطفل

قصتك جميله جدا
وكالعاده السرد رائع
لدرجة انك اخذتني معك حتى للتفاصيل الصغيره..وانسجمت بالقراءه جدا
ابدعت كالعاده
سلم لنا القلم والفكر الراقي
تقييمي

المهندس 04-13-2022 02:03 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادر يازمن (المشاركة 346717)
هي مقادير ونصيب وسبق القلم كل الفرص..
لكن رغم ذاك لا يأس فالكن واثقين بالله لعل في القادم ما هو أجمل ينسينا شقاء حاضر وماض ...

بورك فيك وفي فكرك اديبنا واستاذنا المرهف ..
دوما التألق عنوانك والبلاغة نهجك والفصاحة صفتك
يسرنا تواجدك بيننا منك نتعلم ونستفيد خذ بأيدينا استاذنا
للنور البهاء للرقي ...
خالص مودتي
نادر يازمن
...

أ. نادر يازمن

سعيدٌ بتفاعلك مع قصتي، فهو جل ما يتمناه القاص.
وممتنٌ لك كلماتك الطيبة، وفوق كل ذي علمٍ عليم ..

كل التحية

نادر يازمن 04-13-2022 04:38 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المهندس (المشاركة 346968)
أ. نادر يازمن

سعيدٌ بتفاعلك مع قصتي، فهو جل ما يتمناه القاص.
وممتنٌ لك كلماتك الطيبة، وفوق كل ذي علمٍ عليم ..

كل التحية

الرقي طبعك والطيب نهجك أديبنا واستاذنا الغالي.
منك نتعلم وعلى يديك نفخر ان نتتلمذ.
لربما نعجز عن التعبير بما يستحقه مقامك ففكرنا محدود وثقافتنا العامة ليست على مايرام واحرفنا شاحبة الوجه عبوسة مبتورة المعان وفوق ذاك يجنح الكثير منا لزيادة عدد المشاركات بغض النظر عن مضمون محتوى مشاركاته كل ذاك فينا وان تظاهرنا بعكس ذلك ... والبعض منا مشغول برمضان اخذ اجازة للتقرب إلى الله ...


فلا تؤاخذنا بالتقصير استاذنا المبجل ..
فائق احترامي لحضرة جنابك مع جميل امنياتي
تلميذك
نادر يازمن
...

المهندس 04-15-2022 02:54 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هدوء . (المشاركة 346782)
دوما للتالق عنوان هو انت
رائع ما نثرته هنا
عجز قلمي عن شكرك
كل االاحترام والتقدير لك
تقيمي وختمي
سلمت الايادي

شكراً يا هدوووء على تواجدكِ وكلماتكِ الطيبة ..
وممتنٌ لكِ تقييمكِ وختمكِ.

سعيدٌ بان القصة قد راقت لكِ
كل التحية

المهندس 04-15-2022 02:58 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ورد (المشاركة 346952)
خطر ع بالي مثل بختصر قصتك
اللي مالوش بخت بلاقي العظم في الكرشه،
وهاد جهاد،،
فعلا هيك الحياه
جميل جدا انه يكون في ناس هيك
بترمي حالها ع الموت عشان الاخرين
وبنفس الوقت
خساره انه يكون في ناس هيك
كذب ونكران للجميل متل والد الطفل

قصتك جميله جدا
وكالعاده السرد رائع
لدرجة انك اخذتني معك حتى للتفاصيل الصغيره..وانسجمت بالقراءه جدا
ابدعت كالعاده
سلم لنا القلم والفكر الراقي
تقييمي


أهلاً يا أ. ورد

أحببت جداً معايشتكِ للقصة، وما يريد أن يقوله هذا النص.

قد جزمتِ بأن والد الطفل كان ناكراً للجميل ..
لكن القاص الذي بداخلي قد حمل هذه الجملة من النص، وأخبرني أن أريكِ إياها ..

( ابتلع ريقه، وفكر بأن يعيد الاتصال مرةً ثانية، لعل عيناه قد خانته، والأرقام قد تتشابه )


أنا سعيدُ بانها قد راقت لكِ، وممتنٌ لتقييمكِ وكلماتكِ الطيبة

لا حرمكِ الله البهاء
كل التحية

المهندس 04-15-2022 03:04 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادر يازمن (المشاركة 346994)
الرقي طبعك والطيب نهجك أديبنا واستاذنا الغالي.
منك نتعلم وعلى يديك نفخر ان نتتلمذ.
لربما نعجز عن التعبير بما يستحقه مقامك ففكرنا محدود وثقافتنا العامة ليست على مايرام واحرفنا شاحبة الوجه عبوسة مبتورة المعان وفوق ذاك يجنح الكثير منا لزيادة عدد المشاركات بغض النظر عن مضمون محتوى مشاركاته كل ذاك فينا وان تظاهرنا بعكس ذلك ... والبعض منا مشغول برمضان اخذ اجازة للتقرب إلى الله ...


فلا تؤاخذنا بالتقصير استاذنا المبجل ..
فائق احترامي لحضرة جنابك مع جميل امنياتي
تلميذك
نادر يازمن
...

الحبيب نادر

بل قد عبرت بطريقة رائعة، وثقافتك يزيد مخزونها مع الأيام والاحتكاك.
وأما عن عداد المشاركات فلا تشغل نفسك به أبداً، وهذه نصيحة صادقة.

تعلم بان لكل مِنّا رؤيته في عالم المنتديات، وجميعنا نثمن هذه الرؤية ونقدرها.
أعاننا الله وإياك على صيام رمضان .. وتقبله مّنا برحمته وفضله علينا .. آمين

( المبجل ) ثقيلة على نفسي، فارحني من هذا الثقل أخي.

مودتي التي تعرفها


الساعة الآن 03:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging v3.1.0 (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.