بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
[الآية 56 من سورة الذاريات]
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وبعد:
فقد اختلف أهل العلم في بيان معنى (يعبدون) الواردة في هذه الآية.
قال علي رضي الله عنه: ما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي . وقال ابن عباس رضي الله عنه: إلا ليقرّوا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً
وقال ابن جُرَيْج رحمه الله: إلا ليعرفون ،
وقال مجاهد رحمه الله: إلا ليعرفونيِ ، وفي رواية عنه: إلا لآمرهم وأنهاهم.
وقال زيد بن أسلم رحمه الله: هو ما جبلوا عليه من الطاعة والمعصية.
وقال الكلبي رحمه الله: إلا ليوحدون، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء
وقال الربيع بن أنس رحمه الله: إلا للعبادة
وقال عِكْرمة رحمه الله: إلا ليعبدون ويطيعون فأُثيبُ العابد وأُعاقبُ الجاحد.
قال القرطبي رحمه الله: وقيل المعنى: إلا لأستعبدهم والمعنى متقارب، فمعنى ليعبدون: ليذلوا ويخضعوا ويعبدوا، وقال معقِّباً على قول علي رضي الله عنه: واعتمد الزّجاج على هذا القول .
وقال البغوي رحمه الله معقِّبا على قول مجاهد إلا ليعرفونيِ: وهذا أحسن؛ لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده.
وقال ابن كثير رحمه الله: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، وأن الله تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب .
وقال ابن جرير الطبري رحمه الله: وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرنا عن ابن عباس، وهو: ما خلقت الجنّ والإنس إلا لعبادتنا، والتذلل لأمرنا
وقال ابن عطية رحمه الله: وتحتمل الآية أن يكون المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا معدين ليعبدون، وكأن الآية تعديد نعمة، أي: خلقت لهم حواس وعقولا وأجساما منقادة نحو العبادة
قال الشنقيطي رحمه الله: التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية الكريمة: أي إلا لآمرهم بعبادتي، وأبتليهم، أي أختبرهم بالتكاليف، ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية؛ لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملا، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم. قال تعالى في أول سورة هود: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [هود: 7]
|