عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 08-13-2018, 02:03 PM
حفصة غير متواجد حالياً
Morocco     Female
SMS ~
اوسمتي
أجمل قصة المركز الأول 
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 590
 تاريخ التسجيل : Oct 2016
 فترة الأقامة : 2739 يوم
 أخر زيارة : 05-02-2021 (01:50 AM)
 الإقامة : اسبانيا
 المشاركات : 25,481 [ + ]
 التقييم : 96419
 معدل التقييم : حفصة has a reputation beyond reputeحفصة has a reputation beyond reputeحفصة has a reputation beyond reputeحفصة has a reputation beyond reputeحفصة has a reputation beyond reputeحفصة has a reputation beyond reputeحفصة has a reputation beyond reputeحفصة has a reputation beyond reputeحفصة has a reputation beyond reputeحفصة has a reputation beyond reputeحفصة has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]

اوسمتي

افتراضي الشعر في مشاعر الحج



لقد ألهب موسمُ الحجِّ مشاعر الشُّعراء منذ العصور القديمة، وحتَّى عصرنا الحاضر، ففاضتْ قرائحُهمتعبِّر عن شوْقِها للمكان، وعن توقِها لأداء الفريضة..

وفي هذا البحْث الذي يتحدَّث عن أقْدس مكان، وأرْوع زمان هو زمان الحجِّ، ومع أزْكى النفحات الشِّعرية، تَمضي مشاعر الشعراء تحمل ندى القلوب المؤمِنة، في رحْلة الحجِّ الميْمونة، بادئين بِجلال المكان، وقدسيَّة الزَّمان، فمن إشراق شمس الشوق في القلوب إلى بدْء التلبية، ومرورًا بكل المشاعر المباركة، والشَّعائر، وحتى عيد الأضحى وأيَّام التشريق، وطواف الوداع في ختام الرِّحلة القدسية التي تُلْقَى عندها عصا التسيار.

وقد قدَّمت بِمقدمة بيَّنتُ فيها الشَّوق والحنين لمكَّة المكرمة، ثم أبنتُ عن التَّعبير الشعري في هذا الموضوع من خلال خمس نقاط:

1- الشعر يحجّ:
كيف يحج الشعر؟ سؤال تجيب عليه قلوب الشعراء التي تهفو لزيارة بيت الله الحرام، وهي ترى أفواج الحجَّاج المغادرة لأداء الفريضة، فينطلق الشعر معبِّرا عن هذه الرَّغبة الجامِحة، ويصف حاله وحالَ مَن لَم يُصاحب الحجَّاج في وُفودهم على الله، وحالَ أولئك الذين فازوا، ويتحسَّر على ما فاته، كما يقول أحدُ الشعراء:


تَخَلَّفْنَا عَنِ البَلَدِ الحَرَامِ وَمَا فِيهِ مِنَ النِّعَمِ الجِسَامِ
وَفَازَ بِفَضْلِهِ إِخْوَانُ صِدْقٍ لَنَا نَهَضُوا مَعَ الوَفْدِ الكِرَام





تحيَّته مع سائق الأظْعان، يقول ابن معصوم:

يَا حَادِيَ الظَّعْنِ إن جُزْتَ المَوَاقِيتَا فَحَيِّ مَنْ بِمِنًى والخَيْفِ حُيِّيتَا
وَسَلْ بِجَمْعٍ أَجَمْعُ الشَّمْلِ مُلْتَئِمٌ أَمْ غَالَهُ الدَّهْرُ تَفْرِيقًا وَتَشْتِيتَا
وَالْثُمْ ثَرَى ذَلِكَ الوَادِي وَحُطَّ بِهِ عَنِ الرِّحَالِ تَنَلْ يَا صَاحِ مَا شِيتَا
عَهْدِي بِهِ وَثَرَاهُ فَائِحٌ عَبِقٌ كَالمِسْكُ فَتَّتَهُ الدَّارِيُّ تَفْتِيتَا
وَالدُّرُّ مَا زَالَ مِنْ حَصْبَائِهِ خَجِلاً كَأَنَّ حَصْبَاءَهُ كَانَتْ يَوَاقِيتَا!



2- وصف المشاعر والحنين إليها:
ذكر المشاعر والحديث عنها يرِدُ كثيرًا في الشِّعر القديم والحديث، فهذا مضاض الجُرْهمي يَذْكرها قائلاً:
وَسَحَّتْ دُمُوعُ العَيْنِ تَبْكِي لِبَلْدَةٍ بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ وَفِيهَا المَشَاعِرُ



ويقول أبو طالب:
أَرْضٌ بِهَا البَيْتُ المُحَرَّمُ قِبْلَةٌ لِلعَالَمِينَ لَهُ المَسَاجِدُ تُعْدَلُ
وَبِهَا المَشَاعِرُ وَالمَنَاسِكُ كُلُّهَا وَإِلَى فَضِيلَتِهَا البَرِيَّةُ تَرْحَلُ




ومن الشعراء المُحدَثين مَن وردت في شعره، كقوْل حسين عرب:
وَالمَحَارِيبُ وَالمَشَاعِرُ كَوْنٌ نَاطِقٌ بِالتُّقَى وَبِالإيمَانِ



ويقول الغزاوي:

إِنَّ المَشَاعِرَ مَا ازْدَهَتْ إِلاَّ لأَنَّ بِهَا الفَرَائِضَ وَالحُدُودَ تُقَامُ




3- وصف موكب الحجيج ووداعه:

يوضح الشعر تنقُّلات الحجَّاج ما بين المشاعر، فمِن الطَّواف، ولثْم الحجَر، إلى موقِف إبْراهيم - عليْه السَّلام - ثم السعْي بين الصَّفا والمروة، والوقوف عند المشْعَر الحرام، وعرفة، ثم تَجَمُّعهم في المزدلفة ومِنى، ثم رمْي الجمرات.

ويقف الشِّعر متأهبًا في وداعِ ركْب الحجيج، العازِمين على أَداء فريضتِهم، ها هم على البعد وقد استعدُّوا للتَّوجُّه لأرض الحجاز المقدَّسة، وتجمَّعت القوافل من كلِّ حدَب وصوْب، ووقَفَ أهْلوهُم يودِّعونهم، ودموع الشَّوق تنهمِر من عيونهم، وأُمنيات التَّوق إلى الحرم الشريف تنطِقُ من وجوههم، وها هي نغمات الشِّعْر تعْلو مع نبضات القلوب، وتوقِّع أعذبَ ألْحان الوداع.

إنَّه شكل آخَرُ من أشْكال الاستِدْعاء، استدعاء الحنين والشَّوق، إذْ يغتَنِم الشَّاعر فُرصة وداعِه حجَّاج بيت الله، فيقِفُ ليوصيَهم بكل ما يتمنَّى فعْلَه، كما في هذه الوصيَّة لابن دقيق العيد، حيث يقولُ من قصيدةٍ طويلة في مدْح سيِّد الورى، عليه أفضل الصَّلاة وأزكى التسليم:


يَا سَائِرًا نَحْوَ الحِجَازِ مُشَمِّرَا اجْهَدْ فَدَيْتُكَ فِي المَسِيرِ وَفِي السُّرَى
وَتَدَرَّعِ الصَّبْرَ الجَمِيلَ وَلا تَكُنْ فِي مَطْلَبِ المَجْدِ الأَثِيلِ مُقَصِّرَا
اقْصِدْ إِلَى حَيْثُ المَكَارِمُ وَالنَّدَى يَلْقَاكَ وَجْهُهُمَا مُضِيئًا مُقْمِرَا


4- التهنئة بقدوم الحجاج:

ونأتي إلى ختام رحْلة الحاج، حيثُ الاستِعداد للعوْدة إلى الديار، الكلُّ مشغول بتجْهيز نفسِه وراحلته، ومن أوائل من صوَّروا لنا مواكبَ الحجيج في استِعْدادها للرَّحيل، وفي غدوِّها ورواحِها، وحركتِها الدؤوبة، وسيْر نواضِحِها وإِبِلها، وامتلاء الوِدْيان بِجُموعِهم، كان كُثيِّر عزَّة الذي نقل لنا صورةً حيَّةً لهذا الجَمْع المبارك، يقول:


وَلَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجَةٍ وَمَسَّحَ بِالأَرْكَانِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ
وَشُدَّتْ عَلَى حَدْبِ المَطَايَا رِحَالُنَا وَلَمْ يَنْظُرِ الغَادِي الَّذِي هُوَ رَائِحُ
أَخَذْنَا بِأَطْرَافِ الأَحَادِيثِ بَيْنَنَا وَسَالَتْ بِأَعْنَاقِ المَطِيِّ الأَبَاطِحُ



ومثلما وقف المودِّعون يُحمِّلون الركْبَ المرتحل شوْقَهم ودُموعهم ودُعاءهم، استعدَّ المستقْبِلون لتهْنِئتِهم بِما مَنَّ الله - تعالى - عليهم من أداء الفريضة، وسلامة العوْدة إلى الدِّيار، ومشاهدة مَن شاهدوا البَيْت الحرام.

5- موقف الشعراء من العيد:
العيد عند الشُّعراء يعبِّر عن تَجارب فذَّة، طافحةٍ بالألَم، مُفْعَمةٍ بالأمَل، مُتْرَعةٍ بالشَّجَى، مُبتهِجة بالفرح؛ فالعيدُ حالةٌ من التَّجارب الشِّعْرية والشُّعوريَّة، فريدةٌ في عطائِها وتنوُّعها، مبدعة في تشْكيلِها وتصْويرها.

والمتتبِّع لقصائد العيد عند الشُّعراء يَجدُها تمرُّ في معابرَ ثلاثة، هي:
أوَّلاً: حالة الابتِهاج والفرَح، وتصوير العيد بالصُّورة المشْرِقة، العبِقة بالسَّعادة والسُّرور، الممتلِئة بالبَهْجة والغِبْطة.
ثانيًا: التَّهنئة بالعيد، واتِّخاذ قصائد العيد متَّكأً لمدْح الخُلفاء والملوك والسَّلاطين، والأمراء والقادة والأعْيان.
ثالثًا: المقابلة بيْن حال الشَّاعر النفسيَّة البائسة، وما يرتبِط بِها من خصوصٍ أو عموم، وإلْقاء تلك الحالة أو انسِحابها على العيد.

فالعيدُ عند هذه الطَّائفة من الشُّعراء يَستثير فيهم كوامِنَ ذِكْرياتِهم المُرَّة أو يصوِّر حالَهم المعذَّب، وواقِعَهم النَّكد، ووضْعَهم المُزْري.

وفي النُّقطة الأخيرة وقَفْنا عند معاني الحجِّ والدُّعاء والابتِهال في شعْر الحجِّ:
الدُّعاء مخُّ العبادة، وسنَّة رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الإلْحاح في الدُّعاء، وشدَّة التضرُّع إلى الله - عزَّ وجلَّ - في طلَب العفو والغُفران، وعن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال(خيرُ الدُّعاء يوم عَرَفة، وخير ما قُلْتُ أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله، وحْده لا شريكَ له، له الملك ولا الحمد، وهو على كلِّ شيء قدير)).


وإذا كانت ألسنة الحجيج تلْهج بالدعاء، وتَجْأر وتتوسَّل بِكُلِّ لغات الأرْض، فإنَّ لغةَ الشِّعْر الحميميَّة هي الأخرى حاضرة، تصبُّ هذا الدُّعاء في إيقاعاتِها الخلاَّبة، وتوقِّعه على أنْغام وأوْتار قلوب المحبِّين، ومن خِلال قِراءة شِعْر الشُّعراء الدَّاعين، وسَماع أصوات المبْتَهلين، تَجِدُ أدْعِيتَهم متنوِّعة، فبعضُها يتوجَّه إلى التَّوبة وطلَبِ العفْو والغُفْران، وبعضُها يدعو لنوالِ الآخِرة وسؤال الجنَّة، وأدعية أخرى تتوجَّه للدُّنيا في طلب شفاءٍ من مرَض، أو كبْتِ عدو، أو نيْل مراد.

وقدِ استغرقت الشهادات الشِّعْريَّة عصورَ الشِّعْر المختلفة، وأبانَتْ عن وحْدة القلوب، واستِمْراريَّة التشوُّق واللهفة للوُصول إلى بيْت الله الحرام.
ِوكلما اقترب موسم الحج، دقَّت القلوب الوامقة، ودمعت العيون المحبَّة، وهاجتِ الذِّكْرى الدَّفينة، وابنُ مكَّة المتشوِّق لها أبدًا يُحيِّيها على البعد، يُرسل .



 توقيع :





رد مع اقتباس