ننتظر تسجيلك هـنـا


جديد المواضيع



مقتطفات عآمة بحر الموضيع العامة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-13-2018, 02:17 PM   #39


الصورة الرمزية عاشق الذكريات
عاشق الذكريات غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 775
 تاريخ التسجيل :  Jul 2017
 أخر زيارة : 08-06-2023 (11:33 AM)
 المشاركات : 36,274 [ + ]
 التقييم :  286614
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Male
 SMS ~
عاشق الذكريات
عاشق الذكريات
عاشق الذكريات
عاشق الذكريات
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



•• الجزء الأول ••��


الوقت مساء ، و الفصل شتاء .. و أنا أحاول تدفئة جسدي مشياً في هذه الغرفة البائسة .. رائحة القهوة عمت المكان ، شربت كوباً و حضرت آخر .. أفرك يديّ و أنا أنتفض ..

السماء أثلجت يوماً كاملاً .. و الأرض غصت بالبياض .. كل شيءٍ موحش في الخارج ، و كذلك في غرفتي التي باتت الإنارة سيئةً فيها ..

كتبي متناثرة على الأرض ، بعضاً منها على طاولتي .. عدت منذ ساعاتٍ من الجامعة و أخذت حماماً ساخناً ..
و نمت ساعةً و استفقت .. ستحين ساعة عملي و أنا لم انهي واجباتي الجامعية !

أشعر بالازدحام و ضيق الوقت ، فمن الصعب أن توفق بين عملك و دراستك .. لكنها الحاجة !
أنا هنا بمفردي في هذا المكان ، أعتمد على نفسي لأجل العيش و الدراسة ..

أشعر بالأيام تركض .. و معها تزداد متاعبي ..
تمنيت لو أني أملك المال الكافي دون اللجوء للعمل الآن !


ارتشفت آخر قطرةٍ في الكوب ، و لففت وشاحي
على عنقي و حملت حقيبتي و غادرت السكن .

كان الطريق صعباً و الثلج يغطي كل شيء !
تعطل الطريق و عمّ الازدحام .. و كان الطريق للمطعم الذي أعمل فيه يضج بالسائقين العالقين و العابرين .. يا ألهي سأتأخر !

بصعوبةٍ وصلت إلى المطعم ، و فوق ذلك .. وصلت متأخرة .

فتحت الباب و دخلت ، كان المكان دافئاً مقارنةً بالخارج .
ذهبت إلى المدير فوراً لأعتذر .. فقد تأخرت مدةً تزيد على النصفِ ساعة !

وقفت أمامه و أنا ألهث من التعب :

- هاقد جئت .. و أعتذر لتأخري .

نظر إليّ بعينيه الغاضبتين و قال بصوتٍ عالٍ :

- أينَ كنتِ ؟!.. هل تعرفين كم الساعة الآن ؟

قلتُ و قد دبّ الخوف بداخلي .. رغم تنبؤي بغضبه :

- ذلكَ كان خارجاً عن إرادتي ، فالطريق تعطل بسببِ ..

قاطعني ، لم أستطع الاستمرار في التبرير ..

- كان عليكِ الخروج مسبقاً لتصلي مبكراً .

صمتت و أنا أنزل عيني إلى الأرض ، فقال بنبرةِ تهديد

- تغضبيني دائماً يا ( كريستينا ) ، إن تكرر ذلك فلن يكون لديكِ عملٌ عندي .. و سأرميكِ خارجاً .

أحسستُ بشعورٍ سيء ، هذه المرة الثانية التي أتأخر فيها ، و قبلها قد تسببت في كسرِ أربعةِ من زجاجاتِ الشراب الغالية الثمن ! .. لا أريد أن أخسرَ وظيفتي هذه ، لا أريد أن أتوه من جديد أو أن أعود أدراجي دون دراسةٍ و لا عمل .

صاح بي :

- أغربي الآن لعملك .

استدرتُ عنه خجلةً و متألمة .. و قد كان ذلكَ بادٍ على وجهي ..
ذهبت عند الاستقبال ، فقالت لي زميلتي ( غلوريا ) مواسية :

- لا تأبهي كثيراً ، و الآن اذهبي و انظري ذلكَ الرجل على الطاولةِ رقم عشرة .
- حسناً .

ذهبت حيث أمرتني ، و أخذت طلبَ الزبون و أنا قاطبةُ الجبين ، و بقيت طيلةَ ساعات عملي حادةَ المزاج .. أريد أن أنهي عملي و أغادرُ فوراً إلى فراشي .. علّني أحظى بقليلٍ من الراحة .

مضى الوقت أخيراً و صارت الساعة الواحدة .. غادرَ غالبية الناس المطعم ، عدى واحداً .
بدأنا بترتيب المكان و تنظيفه ، و حينَ انتهينا .. همست لي ( غلوريا ) و هي تنظر إلى الرجل :

- اطلبي منه المغادرة ، سنغلق الآن !

نظرت إليه من بعيد ، يبدو في الأربعين من عمره .. خالط البياض شعره ، ساكن الملامح .. يجلس في هدوءٍ شديد ، و بيده سيجارة .

اقتربت منه و وقفت عنده قائلة بلطف :

- سيدي !.. سنقفل المطعم الآن .

رفعَ بصره إلي ، و استقرت عيناه الزرقاوتين عند عيني .. نظر إليّ ملياً .. ثم قال بهدوء :

- سأنتظركِ خارجاً .

و همّ بالنهوض ..
تعجبتُ من قوله !.. حسبتني لم أسمعه جيداً فقلت بتركيزٍ أكثر :

- عفواً ؟!

نظر إليّ و أعاد قوله :

- سأنتظركِ خارجاً .

و ابتعد .. و وقفت بتعجبي للحظة ، ترى ماذا يريد مني ؟!

=========

أغلقنا المطعم و غادرناه ، و توقفنا جميعاً حينَ وجدنا الرجل واقفاً ينظر الثلج المتساقط من السماء .

تحرك كل زملائي مبتعدين .. إلا أنا .
استدار إلي ، فاقتربت منه قائلةً بفضول :

- هل لي أنْ أعرف ماذا تريد ؟!

لم يتكلم سريعاً ، كان يحملق في وجهي و كأنه يفكر .. ثم بدأ الكلام :

- قد تستغربينَ طلبي أيتها الفتاة ، لكني وجدتكِ الفتاة المناسبة ..

اتسعت عيناي ، الفتاة المناسبة ؟!.. لأي شيء !؟
بينما تابع :

- ما اسمك ؟
- ( كريستينا ) .. لكن ، لأي شيءٍ يمكن أن أكونَ مناسبة ؟..

و أضفت ضاحكة :

- هل هناك عملٌ ما ؟
- تتمنينَ ذلك ؟!..

صمتت و قد شعرت بالإحراج ، ثم قلت بصوتٍ منخفض :

- كنتُ أتساءل فقط !
- أريد الزواج بكِ .

اتسعت عيناي من جديد دهشةً .. و قلت غير مصدقة :

- الزواج بي ؟!
- نعم .

ضحكت بسخرية ، و نظرت إليه ملياً دونَ أن استوعبَ جديتهُ في الأمر .. فسألني بذات الهدوء

- كم عمرك ؟
- مازلتُ طالبةً في الجامعة .
- جيد .. يبدو عليكِ ذلك .

اعتدلتُ في وقفتي و سألته بجديةٍ أكثر :

- أصدقني القول ، ماذا تريد مني ؟

ابتسمَ ابتسامةً وقورة و قال

- الزواج و حسب ، و سأهديكِ الحياة الكريمة .

علاني السكون فجأةً ، الحياة الكريمة !
أتراه لاحظَ معاناتي و غضبي ؟.. أم سمعَ ذاكَ المتزمت و هو يصرخ بي ؟!..
تمعنتُ إليه جيداً ، يبدو ثرياً من ثيابه و معطفة .. و من جودة السيجارة التي كان ينفث دخانها منذ قليل .. لكن لما يرغب بالزواج مني ؟!

قطعَ أفكاري ، و قال معرفاً عن نفسه و كأنه فهمَ تساؤلاتي :

- اسمي ( إدوارد ) ، أعمل طبيباً جراحاً و أملك عياداتي الخاصة ، أبلغ من العمر خمساً و أربعين .. لم أتزوج من قبل ، لسبب انخراطي في عملي ، و لسببِ أني لم أجد الفتاة المناسبة .

قد أثارني هذا الرجل !.. إنه كبيرٌ جداً مقارنةً بي !
رغمَ وسامته و قامته ، و هو طبيب !.. ذلكَ يبدو .. مناسباً لي ، فكم تمنيت أن أحظى بالمال الكافي بدل العناء و العمل في مثل هذا المكان .

لاحظَ صمتي و تفكيري ، فقال :

- لا تقلقي بشأن دراستك ، ستتابعين الدراسة حتى التخرج ، سأساندك .

قلت بتساؤل :

- لماذا أنا دونَ غيري ؟.. أعني .. رجلٌ ثري كما هو واضحٌ عليك .. لما لا يتزوج من فتاةٍ من طبقته ؟!
- أحبُّ الفتياتِ العفويات .. اللاتي لا يهتممنَ بالعلامات التجارية و الحفلاتِ و التسوق .. مظهركِ لا يدل على ذلك ، لا تبدينَ من ذلك النوع .

و أضاف و هو ينظر إلى عيني :

- كما أنَّ لكِ وجهٌ جميل .

اكتسحني بعبارته الأخيرة فخجلت .. و أنزلت عيني دونَ أن أعقب ..
فقال :

- ماذا قلتِ ؟

رفعتُ عيني إليه ، و همست :

- احتاج للتفكير .

أخذَ نفساً و قال :

- لكِ ذلك ، سأكون بانتظار جوابكِ .

و أخرجَ بطاقةً من جيب معطفه و أعطاني إياه قائلاً :

- سأنتظر اتصالكِ ، رقمي الخاص هنا ، و كذلكَ رقمي في العيادة ..

و قال مشدداً :

- أنا .. أنتظركِ .

التقطتُ البطاقةَ منه ، فاستدار عني و ذهب إلى سيارته الفارهة و غادر .
تمعنت في البطاقة ، و نظرت لما كتب ، و إلى أرقامه .. ثم ابتسمت ، و فكرتُ في داخلي .. يبدو أنّ الحظَ ابتسمَ إلي ..


•• الجزء الثاني ••��




كنتُ خارجةً من الجامعة في الساعةِ الرابعة عصراً ، و لأول مرة لا أشعر بالإجهاد !.. و لا أحمل هماً لعملِ المساء !
و كأني أملك الوقتَ كله .. رغم ذلك ، حاولتُ الإسراع للعودة إلى سكني قبل أن تتجاوز الساعة الرابعة و النصف ..

فتحت باب غرفتي .. و وضعت كتبي و حقيبتي على طاولتي ، ثم غادرتُ إلى المطبخ لأصنعَ كوب قهوةٍ أدفئ به جوفي ..

قبل أن يغلي الماء ، عدتُ إلى غرفتي .. و وقفتُ عند طاولتي و التقطت تلك البطاقة التي أعطانيها الطبيب ( أدوارد ) .. و حملقتُ في رقم هاتفه الشخصي ، ثم إلى رقم هاتف العيادة ..

قد اتخذتُ قراري و لكن ، أشعر بالتردد !
سيتغير كل شيء !.. ستتغير حياتي إلى الأبد بعد أن أجري هذه المكالمة ، سأكون .... ثرية !
سأنعم بالحياة دونَ حاجةٍ للكفاح ، دون الكثير من الشقاء .. لا شيء أجمل من ذلك !

أخذتُ نفساً و جلستُ على فراشي ، أمسكت بهاتفي و طلبت رقمه ..
بدأ الرنين ، و بدأت دقات قلبي تنتفض !..

بعدَ ثوانٍ قليلة جاءني صوته :

- ألو !..

قلتُ و الربكة تغلبني ..:

- مرحباً ، دكتور ( إدوارد ) ؟
- نعم !..

قلتُ محاولةً التعريف بنفسي :

- أنا ( كريستينا ) .. الفتاة التي تحدثتَ معها عند المطعم .

أجاب و قد لطفَ صوته :

- كنتُ أنتظركِ .

ابتسمت .. ثم قلت :

- أرجو أني لم أطل عليك !؟
- لا يهم ، أخبريني فقط .. هل تتزوجيني ؟

ضحكت من تعجله ، و قلت :

- نعم ، سأتزوج بك .
- شكراً يا ( كريستي ) ، ممتنٌ حقاً .. سأعود لمهاتفتك في وقتٍ لاحق ، لدي عملٌ الآن .. أو أنه يمكنني رؤيتكِ في عملك هذا المساء ؟

أجبته باستغراب :

- هل تريد مني العودة إلى العمل في المطعم ؟.. سأعود لأبلغهم عدم رغبتي في العمل .

أصدرَ ضحكةً قصيرة ، ثم قال :

- ذلكَ أفضل ، إلى اللقاء الآن .
- إلى اللقاء .

أغلقت الهاتف و السعادة تغمرني .. ثم نهضت لاستكملَ اعداد القهوة .. و حينَ اعددتها عدت لغرفتي .

انهمكت في واجباتي .. و لم أشعر بالوقت الذي مضى سريعاً !
حين انتهيت كانت الشمس قد غربت .. غالبني النعاس حينها ، فقررت أن آخذ حماماً دافئاً و الخلود للنوم ..

استحممت و انتهيت ، و عدت لغرفتي ارتجف ، نظرت للخارج من خلال النافذة فإذا بالسماء تنثر ثلجها .. ضممت ذراعي إلى صدري و مشيت إلى فراشي ، اندسستُ تحتَ الغطاء ، و ما إن غمرني الدفء حتى أغمضت عيناي ..

========

فتحتُ عيناي على رنين الهاتف ، و خطرَ ببالي ( إدوارد ) !.. فمددتُ يدي و التقطتُ هاتفي و جلستُ لأجيب :

- ألو ..
- مرحباً يا ( كريستي )

ابتسمتُ و أنا أجيبه :

- أهلاً بك .. هل أنهيتَ عملك ؟
- نعم ، هل تناولتي العشاء ؟
- لا .. ليسَ بعد ، كم الساعة الآن ؟
- إنها التاسعةَ و الربع .. كنتِ نائمة صحيح ؟

ضحكت بخجلٍ و قلت :

- صحيح ..
- أنا في طريقي إلى مكان عملك ، تعالي لنتناول العشاء .. و نتحدث .

قلتُ مفكرة :

- قد أتأخر !.. فالثلج يتساقط !
- سأنتظركِ على أي حال .
- حسناً .. سآتي فوراً .

=======

لم يكن الطريق مزدحماً و لا عالقاً من حسن الحظ ، و الثلج قد توقف عن التساقط .. فمضيتُ في طريقي بسرعةٍ و اطمئنان .

وصلت أخيراً .. دخلتُ إلى الداخل .. و فور دخولي التقت عيناي بعيني ( غلوريا ) .. فتوقفت و أنا أنظر إليها .. كذلكَ هي حدقت بي ، ثم اقتربت مني .. جاءت إليّ و وقفت قبالتي قائلة :

- حقاً ستتزوجينَ يا ( كريستينا ) ؟.. هل ستتركين العمل هنا ؟
-
- قلت بتعجب :

- من أخبركِ بذلك !؟

قالت و هي تلتفت :

- ذلكَ الرجل .. و قد أخبرَ المدير بذلك .

نظرتُ حيثُ تنظر .. فوجدتُ ( إدوارد ) .
ابتسمتُ حينَ رأيته .. بينما نظرت إليّ ( غلوريا ) و قالت بعينينٍ متسعتين :

- ويحكِ !.. ستتزوجينَ من ذاك العجوز ؟!

انزعجت من قولها ، و قلت و أنا أعقد حاجبي بعصبية :

- ليسَ عجوزاً ، أنظري إلى قامته المستقيمة .. إنه بصحةٍ أفضلَ مني و منكِ !

ضحكت ( غلوريا ) و قالت تسألني بسخرية :

- هل تحبينه ؟!

ضحكت و أجبتها :

- من يدري ، ربما أحبه !
- هنيئاً لكِ يا عزيزتي .
- شكراً ، بالإذن .

و مشيت إلى الطاولةِ التي كان يجلس عليها ( إدوارد ) .. و وقفت عنده لمصافحته قائلة :

- أهلاً ، هاقد جئت .

نظرَ إليّ مبتسماً و وقفَ لمعانقتي و هو يقول :

- أهلاً بزوجتي .

توردت وجنتي في بادئ الأمر .. ثم بادلته العناق .. بعدها طلبَ مني القعود على الكرسي المقابل لكرسيه .

جلست .. فقال و الابتسامة لا تزال تزين وجهه :

- لم تتأخري كثيراً ، لو كنت أعلم لانتظرتكِ قبل أن اختار العشاء .
- لا يهم .. كيفَ حالك ؟
- بخير ، ماذا عنكِ ؟
- جيدة ، و سعيدة ..

اتسعت ابتسامته و قال :

- ذلكَ يسرني ..

سرعان ما جاء طعام العشاء ، فبدأنا بتناوله .. و بينما نحن كذلك .. قال لي ( إدوارد ) :

- لقد أخذت إجازةً هذا الأسبوع ، سنبدأ من الغد .. حتى نبدأ مراسيم الزواج في أقرب وقتٍ ممكن ..

نظرتُ إلى عينيه ، و قلت :

- حسناً ، لما لا يكون الزواج بعد الشتاء ؟.. ستكون مراسيم الزفاف أجمل في الربيع .

رفعَ عينيه عن طبقه إلي .. ثم قال بعد أن انتهى من مضغ ما في فمه :

- بل سأعمل جاهداً لأن يكون هذا الأسبوع .. أريد الزواج في أقربِ وقتٍ ممكن .

لم أفهم سرّ رغبته الشديدة في استعجاله الزواج .. و ظللت أحدق في عينيه مفكره ، و لعله لاحظ شرودي !.. فتنهد و قال :

- لا أريد أن أفوتَ وقتاً أكثر .. هل تفهميني يا عزيزتي ؟

ابتسمت و قلت :

- حسناً .

بادلني الابتسامة .. و قال و هو يضع بعض قطعِ اللحم في طبقي :

- سيدهشكِ منزلي ، سأحاول أن أوفر كل ما يلزمكِ .. حتى تأتي و تستأنسي فقط ..

ثم نظر إليّ و قال :

- لا تحضري معكِ سوى كتب الجامعة ، و سآخذكِ غداً للتسوق .. خذي الثياب ، و كل ما يلزمكِ ، و لا تقصري في شيء !

ابتسمت و قلت :

- أنتَ شديد الكرم .

قال و هو يبتسم و يحدق في عيني :

- زوجتي تستحق ..

•• الجزء الثالث ••��



مرّ كل شيء كلمح البصر ، و وجدتُ نفسي بعدَ يومينِ بفستاني الأبيض .. كنتُ أنظر لانعكاس صورتي في المرآة بإعجاب .. كل شيءٍ مثاليٌ و فخم .. لم أتخيل أبداً أن أكونَ بهذا القدر من الأناقة .. و ما تخيلت أن حفلةَ زفافي ستكون يوماً في فندقٍ فخم ..

كنتُ أقف بالقرب من ( إدوارد ) في الحفل .. سألني بصوتٍ منخفض أقرب منه للهمس :

- هل أعجبكِ المكان ؟

ابتسمت و أنا أجيبه :

- بل أبهرني !.. كل شيءٍ يوحي بالفخامة ، لكن لم أتوقع أن تقيم الحفل هنا !
- لا بأس ذلكَ يلائمني ، هذا الفندق مُلْكي .. و أسعدني أنه حاز على إعجابك .

اتسعت عيناي و أنا أنظر إليه .. و قلت باندهاش :

- حقاً !؟
- نعم .

فابتسم و قال و عيناه تنظر في عيني :

- أنتِ أكثر بهاءً من القمر يا ( كريستي ) ، جمالكِ مثالي ، تألقتي هذه الليلة .. و إني أخشى عليكِ من عيون الزائغين .

أنكست رأسي خجلاً و أنا ابتسم .. فقال و هو يضع يده عند خصري :

- ابقي قريبةً مني .

و قرّبني إليه ، فبقيت ملتصقةً به طول الحفل ، و يده لم تفارقني ، يشد بيدي حيناً و حيناً يحيطني بذراعه .. نظرت إليه بإعجاب ، في الحقيقة هو وسيمٌ أيضاً جداً هذه الليلة .. و قد ظهرت شخصيته اللطيفه في تعامله مع أصدقاءه .. مما زاد إعجابي به ..

حضر الكثير من الاصدقاء و المدعوين ، قد أدركت أني محاطةٌ بالكثير من الناس .. نساءٌ و رجال .. يهنئون ( إدوارد ) و يهنئوني ..

رافقتنا طول الحفلة مجموعة الأصدقاء المقربين من ( إدوارد ) كما فهمت .. بالتقريب ، هم امرأتين و أربعة رجال .. و قد أربكتني احداهما ..!
إذ كانت صامتةً للغاية ، جميلة ، باردة الملامح و النظرات .. و كانت تحدق بي طول الوقت ..

غادرت سريعاً و ذلكَ اراحني .. فلم أشعر بالارتياح بوجودها و لا لها !

أما الباقين فكانوا في قمة اللطافة ، و قد احببتهم كثيراً ..

انتهت الحفلة أخيراً عند الحادية عشر .. بدأ الناس بالانسحاب رويداً رويداً .. و أخيراً ، ركبت مع ( إدوارد ) في سيارتنا و ذهبنا لِعُشّنَا ..

=========

وصلنا إلى منزلنا ، كان مدهشاً حقاً كما أخبرني ( إدوارد ) .. لم انتبه كثيراً لتفاصيله لذهابنا إلى غرفتنا ، كانت غرفتنا هادئة و أنيقة .. توقفت عند الباب للحظاتٍ أتأملها .. فسألني ( إدوارد ) :

- هل أعجبتكِ ؟

نظرت إليه و الابتسامة على وجهي :

- كثيراً ، إنها رائعة !

وضع يده على كتفي و قال :

- تفضلي إذاً .

دخلنا سوياً .. جلسنا على الأريكة و قلت له بامتنان :

- أشكركَ كثيراً على هذه الليلة .. كان الحفل رائعاً جداً .. و سرني التعرف على أصدقائك .

ابتسم هو الآخر :

- هل أحببتهم ؟
- كثيراً .
- حسناً ، يجب أن تستبدلي ثيابكِ الآن و ترتاحي .. لا شك أنكِ متعبة ، غداً ستذهبين إلى الجامعة .

اتسعت عيناي و قلت باستنكار :

- آه ( إدوارد ) !.. لن أذهب إلى الجامعةِ لمدةِ أسبوع .. قد أبلغتهم بزواجي و سمحوا لي بإجازة .

صمت و هو ينظر إلي .. بينما أضفت ضاحكة :

- و ربما تروقني الاجازة .. فـ ..

قاطعني بحدة :

- لن توقفي دراستكِ يا ( كريستي ) !

تفاجأت من حدته ، فصمتت و أنا أحدق في عينيه الزرقاوتين في دهشة .. فقال آمراً و هو لا يزال يقطب جبينه :

- يومانِ فقط .. و تعودين للجامعة ، أنا كذلك سأعود لعملي بعد يومين .

أحسست بالتوتر قليلاً .. أنكست رأسي و بعدها قلتُ بهدوءٍ و عيناي في الأرض :

- كنتُ أمزح .. لكن ..

و أضفت قائلةً بإصرار :

- سأبقى أسبوعاً كاملاً .. لن أعود قبل أسبوعٍ للجامعة .

مازلتُ أبعد وجهي و عيني عنه ، فلم أحب أن أنظر لعينيه الحادتين ، و لا أعرف ما كان وقعُ كلامي العاصي عليه !

لكنني لم أسمع جواباً منه .. حتى وقف ..!

- تصبحين على خير .

نظرت إليه و عيني متسعتين استغراباً !.. و سألته :

- إلى أين !؟

أجاب و هو ماضٍ إلى خارج الغرفة :

- إلى مكتبي .
- هل آتي معك ؟

التفتَ إليّ و هو يمسك بمقبض الباب و قال بوجهٍ و صوتٍ باردين :

- نامي يا عزيزتي ..

قال ذلك و غادر .. و جعلَ الدموع تنحدر من عيني .. قهراً و ألماً ..!

ما تخيلتُ أن تمضي ليلتنا على هذا النحو !.. هل هكذا تمضي العروس ليلتها ؟.. أ تتركُ وحيدة و قد انتصفَ عليها الليل ؟!.. تذهب عني إلى أين !؟..
ما هذا الجانب منك يا ( إدوارد ) .. ؟!.. قد كسرتَ قلبي ..

شعرت أنّ هذه الغرفة برحابتها ضاقت بي ، شعرت بالحرارةِ في جسدي كله !
هل يعقل ، ألسنا في الشتاء و السماء تثلج ؟..
لكني احترق ..

وضعت كفي على وجهي .. و بكيت ..

========

فتحتُ عيناي في الصباح الباكر .. و نظرتُ إلى الوسادة التي بجانبي .. يبدو أن ( إدوارد ) لم يعد إلى هذه الغرفةِ البارحة !

شعرتُ بالكدر .. و التفتُ إلى النافذة ، كانت أشعة الشمس الذهبية ظاهرةً قليلاً من خلف الغيوم .. تذكرتُ فجأةً كلامه عن الجامعة ، لما كان يريد مني الذهاب إلى الجامعة ؟
أيعقل أني أغضبته لذلكَ عاقبني بتركي وحيدةً ليلةَ البارحة !؟
آه ( إدوارد ) .. أنتَ رجلٌ صعب ، و سيتوجب عليّ أن أكونَ أكثر ذكاءً حتى أفهمك .


نهضتُ من فراشي ، استعددتُ للنزول و مغادرة الغرفة .. و فكرتُ أثناء مغادرتي الغرفة في أينَ عساني ألقى ( إدوارد ) .

نزلتُ للأسفل .. و صادفتني إحدى الخادمات .. استوقفتها قائلة :

- من فضلك !

استدارت إلي و قالت مبتسمة :

- صباح الخير سيدتي .
- صباح الخير ، أينَ عساني أجد ( إدوارد ) ؟
- إنه يتناول الفطور في غرفةِ الطعام ..
- أينَ .. غرفة الطعام ؟

اتسعت ابتسامتها و هي تقول :

- اتبعيني سيدتي ..

و مشت و أنا أتبعها .. قادتني إلى حيث غرفة الطعام .. توقفت عند المدخل بينما هي غادرت لعملها ..

خطوت بوجلٍ إلى الداخل .. فانتبه إليّ ( إدوارد ) و نظر إلي ..

ظللتُ أنظر إليه في صمت .. بينما وقفَ قائلاً متهللاً :

- صباح الخير ..

أجبت بهدوء :

- صباح الخير ..

ابتسمَ و اقتربَ مني .. و أنا أنظر إليه في ارتباكٍ و حيرة .. إنه يبتسم .. و يقترب !
هو ليسَ غاضباً مني إذاً ..

توقف أمامي و قال و هو يشد على كفي :

- تعالي يا عزيزتي لتناول الفطور .

لم أقل شيئاً و لكن ارتباكي تلاشى .. و مشيت معه عند الطاولة ، اختار لي مقعداً بجانب مقعده و طلب مني الجلوس .. و جلسَ هو الآخر في مقعده و الابتسامة على وجهه .. سألني :

- ماذا تحبين أن تتناولين ؟

قلت دون اكتراث :

- أيّ شيء !

هم بوضع الطعام في طبقي ، و قال :

- أتمنى أنكِ نمتي جيداً !..

نظرت إليه .. و بداخلي الكثير من التساؤلات .. كيفَ يسألني هذا السؤال و قد تركني بمفردي و هو قاطب الجبين !؟

لم أجبه ، فسألني :

- تشربين العصير ؟

قلتُ و أنا أنظر إلى عينيه :

- لا يهم .. لما تركتني وحيدةً البارحة ؟.. و لما كنتَ متضايقاً ؟

وضعَ كأس العصير أمامي ثم نظر إليّ و قال :

- أنتِ تريدينَ ذلك .

رفعتُ حاجباي بدهشة ، و قلت ناكرة :

- متى قلتُ ذلك ؟!
- حينَ تتخذينَ قراراتكِ بنفسك ، فأنتِ تريدين ذلك !

صمتتُ لوهلة .. ثم قلتُ غير مصدقة :

- بسببِ الجامعة !؟
- ليسَ بالضبط .. لكن .. يجب أن نتخذ قراراتِ بعضنا سوياً .

قلتُ بنبرةٍ حزينة و قد تحاملتُ عليه :

- لم أجادلكَ بشأن إجازتكَ و عملك .

ابتسمَ و قال :

- و أنا يا عزيزتي لم أجادلكِ ، لكن لهجتكِ العنيدة استفزتني .

قلتُ أسأله بلطف :

- هل أنتَ غاضبٌ مني بسبب ذلك ؟

مدّ يده و شد على أصابعي و قال بلطفٍ بالغ :

- لم أغضب أبداً يا جميلتي .. هيا تناولي الطعام الآن ، أريد أن أمضي معكِ نهاراً جميلاً هذا اليوم .. الجو صحو و قد لا يكون كذلكَ في اليومين التاليين .. لنستمتع بيومنا هذا .

ابتسمت و قلت :

- حسناً يا عزيزي ..

=========

في التاسعة غادرنا المنزل .. تجولنا و تسوقنا و استمتعنا بوقتنا .. كان الثلج يملأ المكان ، و الشمس عكست أشعتها الدافئة على البياض .. كان الجو رائعاً و كل شيءٍ ينضح بالجمال .

بينما كنا نسير و نحن نحتسي قهوتنا الدافئة ..
رن هاتف ( إدوارد ) ، توقفنا .. و أخرج هاتفه و نظر إليه ، ثم قال

- إنه ( جيمس )

و أجاب :

- مرحباً ( جيمس ) !

( جيمس ) هذا أحد الأصدقاء المقربين من ( إدوارد ) .. و هو شخص لطيفٌ للغاية ، تحدث معه قليلاً على الهاتف .. و بعد أن أنهى المكالمةَ نظرَ إلي و قال :

- إنه ( جيمس ) .. يريد دعوتنا على طعام الغداء في منزله .
- اليوم ؟
- نعم .. كم الساعة الآن ؟

نظرت إلى ساعةِ يدي ، كانت تشير إلى العاشرة و الربع ..

- إنها العاشرة و الربع .
- حسناً إذاً ، ما رأيك أن نعود إلى المنزل الآن لنستعد للغداء ؟
- نعم لنذهب .

و تأبطتُ ذراعه .. و مضينا عائدين للسيارة للعودةِ إلى المنزل .

عدنا إلى المنزل ، و قلت لـ ( إدوارد ) و أنا أخلع معطفي :

- سآخذ حماماً و استعد .. متى سنذهب لمنزل ( جيمس ) ؟
- في الحادية عشر ..

و قال مبتسماً :

- لا تتأخري ، أنا أعرف أنّ النساء يستغرقن وقتاً طويلاً في الاستعداد و التزيُّن .

ضحكت و قلت :

- لن أتأخر ..

و صعدت مسرعةً إلى غرفتنا .. أخذتُ حماماً دافئاً و سريعاً .. و بعد ذلك ذهبت إلى غرفةِ الملابس .. أخرجتُ فستاناً وردياً هادئاً و أنيقاً ، كان هذا الفستان من اختيارِ ( إدوارد ) ..

ارتديتهُ و نظرتُ نفسي على المرآة ، و ابتسمتُ لاستحسانِ منظري ، فكم بدوتُ رائعةً به .

فجأةً تذكرتُ ( إدوارد ) .. هو لم يأتي ليتجهز حتى الآن !

استدرتُ نحو خزاناتِ الملابس .. و كأني .... لم أرَ ثياباً هنا له !

فتحت الخزاناتِ كلها .. و لم أجد لباساً واحداً يخصه .. و لا أي شيء !

توجمت بسببِ ذلك .. و أدركتُ لما غادرني البارحة ، لعله لا يريدُ مشاركتي حياته .. لا يريدني زوجةً حقيقيةً له !.. لكن لماذا ؟.. لماذا تزوجني إذاً !؟.. مالذي يدور في رأسكَ يا ( إدوارد ) !؟

أحسستُ بالقهر و الخيبة ، فأخذتُ نفساً و حاولتُ استجماع رباطة جأشي .. إلا أنّ العصبيةَ دبت بي بدلَ أن أهدأ !
فوجدتُ نفسي مغادرةً للبحثِ عن ( إدوارد ) .. و لم أتعنَّ كثيراً في العثور عليه .. لقد ظهر قبالتي في الممر .

توقفتُ فور رؤيته و داخلي يثور .. نظرتُ إليه بوجهٍ عابس ، بينما توقفَ هو .. و نظرَ إليّ بإعجابٍ شديد .. شرّع ذراعيه و هو يقترب نحوي .. و قال معبراً عن إعجابهِ بي :

- ما هذا الجمال يا ( كريستي ) ؟!..

و وقفَ قبالتي و هو يضع يديه عند ساعدي و عيناه لا تزالان تتأملاني :

- قد منحتي هذا الفستانَ جمالاً أكثر ، تبدينَ كالعارضات !

أنكست رأسي بقهر .. و عضضت على شفتي و أنا لا أزال أعقد حاجبي ..
لاحظني أخيراً .. فكفّ عن امتداحي و إبداء الإعجابِ بي .. وضعَ سبابته عند ذقني و رفع رأسي إليه ..

فرفعتُ عينيّ لعينيه .. و سألني بهدوء :

- ما بالكِ يا عزيزتي ؟!.. لما هذا الوجوم ؟

قلتُ بهدوءٍ غاضب :

- لماذا تزوجتني يا ( إدوارد ) ؟!

تجمدت تقاسيم وجهه .. و مرت ثوانٍ حتى قال بهدوء :

- ماذا أصابكِ .. ؟

قلتُ بانفعال :

- أجبني !

قال بذات الهدوء :

- لأني أريدُ الزواج ..

رفعت حاجباي و قلت :

- لماذا تريد الزواج ؟!..

عقد حاجبيه و قد نفدَ صبره أخيراً ، و قال و هو يضع يديه في وسطه :

- لأني عثرتُ عليكِ أخيراً .. هل هذا يريحكِ ؟!

علا صوتي فجأةً و أنا أقول بنفاد صبر :

- هراء !.. أنتَ لا تريد زواجاً حقيقياً !.. جئتَ بي هنا لأبقى مستقلةً عنك في غرفة !.. و أنتَ في غرفة .. أنتَ لا تريدُني لأشارككَ حياتكَ كما تدعي و تقول هذا الصباح ..

قاطعني قائلاً و هو يضع اصبعيهِ السبابة و الوسطى عند شفتيه :

- صه !.. لا تصرخي !..الخدم في كل مكانٍ و ليسَ من اللائقِ .. أن يصغي الجميع لحديثنا يا ( كريستينا ) .

اغرورقت عيناي و لزمت الصمت .. فمد يده نحو شعري و قال بصوتٍ هادئ و قد سكنت تقاسيمه من جديد :

- هيا أسرعي و جففي شعركِ جيداً ، ما زال شعركِ بارداً .. ضعي قرطين أيضاً و أحمر شفاه .. و ستكونينَ في صورةٍ مثالية .. هيا حتى لا نتأخر .

قلتُ بغضبٍ و دموعي انحدرت على وجنتي :

- لن أذهب !..

و استدرت عنه لأعود أدراجي .. لكنه أوقفني حينَ أمسكني من ذراعي .. فتوقفتُ مكاني و أنا أمسح دموعي من وجنتي محاولةً تمالكَ نفسي و التوقف عن البكاء ..

أقتربَ مني و قال بلطف :

- لا تبكي يا جميلتي ، لا تبكي .. و لا تكسري قلبي و تتركيني مخذولاً هذه اللحظة .. ستأتينَ معي دونَ جدال .

نظرتُ إليه بقهر ، أي قلبٍ يحمل في داخلهِ حتى يتجاهل شعوري لهذا الحد ، إنه لا يأبه بألمي أبداً !

قلتُ ساخرة :

- هل نذهب لنكملَ مسرحيةَ البارحة ؟!.. و نمثلَ دورَ الزوجينِ المتحابين ؟!

انفجرَ ضاحكاً !.. مما أثار غضبي أكثرَ و أكثر ..
فصددتُ عنه أنظر بعيداً .. و حينَ انتهى من الضحك .. قالَ يسألني :

- لماذا نمثل ؟.. ألسنا منسجمين ؟!.. كنتُ و أنتِ كالعصفورين في الصباح .. إلى أن ذهبتِ غرفتكِ .

نظرتُ إليه و قلت :

- لأني لا أفهم حقيقة هذا الزواج .. !
- أسرعي الآن يا جميلتي و نتحدث فيما بعد .. هيا .

تنهدتُ و الحيرة تقتلني .. و مضيتُ إلى غرفتي و سرحت شعري ، و فعلت كما طلبَ مني ( إدوارد ) ، أرتديتُ قرطين بارزين و وضعت أحمر شفاه و القليل من الزينة .. تطيبت و ارتديتُ معطفاً و خرجت ...


•• الجزء الرابع ••🥀



توقفت سيارتنا عند منزل الصديق ( جيمس ) .. نزلنا من السيارة ، فاقتربَ مني ( إدوارد ) و قدّم إلي ذراعه لأتعلق بها !... لكنني رمقته بازدراء ، و مشيت لأسبقه إلى الداخل ..

فجأةً شد على ذراعي بقوةٍ فالتفتت إليه بذعر !
أقتربَ مني كثيراً و هو لا يزال يشد على ذراعي التي فهمت من قبضتهِ مدى غضبه .. فقد شعرت بالألم منها !..

قال يهمس في أذني :

- إياكِ أن تحرجيني أمام أصدقائي .. و الآن تشبثي بذراعي .

تسارعت أنفاسي خوفاً .. فازدردت ريقي و نظرتُ إليهِ بارتباكٍ و خوف ، بينما هو عاد ليقدم إلي ذراعه من جديد ، فسلمتُ الأمر و أحطتُ ذراعه بذراعي .. و سرنا بهدوءٍ جنباً إلى جنب ..

في الداخل وجدتُ تلكَ المجموعة من الأصدقاء فقط ..

( جيمس ) صاحب الدعوة ، و ( روبرت ) و ( كريس ) و ( ديفيد ) .. و تلكَ المرأة التي لم أحبها .. ( جوليا ) .. و الصديقة الأخرى ( كاتي )

أصدقاء ( إدوارد ) لطفاء و رائعون .. استمتعت معهم و بحديثهم حتى تناسيتُ غضبي من ( إدوارد ) .. و بينما كنا نتحدث ، سألتُ الجميع :

- هل أنتم جميعاً أطباء مثل ( إدوارد ) ؟

قالت ( كاتي ) بفخر :

- أنا فقط من تعمل طبيبة ، تخصصي العظام .. أما الباقين فلا .

قال ( جيمس ) يسألني :

- ماذا عنكِ يا سيدة ( إدوارد ) ؟!.. ماذا تدرسين و ماذا ستصبحين ؟

أجبته :

- الهندسة المعمارية .. و مازلتُ في البداية .

تكلمت ( جوليا ) الجميلة الباردة أخيراً و سألتني :

- كم تبلغينَ من العمر ؟

فاجأني سؤالها !.. فأجبت :

- الثالثة و العشرون ..

رفعت حاجبيها و بانت تعابير الاستخفاف على وجهها .. إنها تستصغرني !! .. كم أغاظتني ..

و لا أدري إن كان وجهي ممتعضاً هذه اللحظة .. لكن ( إدوارد ) أحاطني بذراعه و قربني إليه قائلاً :

- إنها شابة جداً .. و جميلة جداً ..

رفعتُ رأسي إلى وجهه .. ففاجأني بقبلةٍ طويلةٍ على جبيني ، منحت قلبي الوقت الكافي ليخفق بقوة ..

قال ( روبرت ) ضاحكاً :

- أنتَ محظوظٌ بها يا ( إدوارد ) .. هل يجب علينا أن نتزوجَ للمرةِ الثانية لنحظى بشابةٍ جميلة ؟

ضحكَنا جميعاً ، فقال ( كريس ) موجهاً قوله لـ ( جيمس ) :

- متى سنتناول الغداء يا ( جيمس ) ؟.. بدأت أشعر بالجوع !

قال ( جيمس ) :

- هيا بنا لغرفةِ الطعام .. تفضلوا .

=======

كان طعام الغداء شهياً و لذيذاً .. و خلال الطعام تحدثَ الأصدقاء كثيراً في ما بينهم ، عن أعمالهم و عن الأسواق و السيارات و غيرها من الأمور .. لم أشاركهم الحديث كثيراً .. و اكتفيت بالأصغاء فقط .


بعد الغداء ، ذهبتُ عندَ المرآة في الممر لأتأكدَ من تمامِ زينتي .. بينما كنتُ كذلك .. أقبلتْ ( جوليا ) إلي .. رمقتها بنظرةٍ حينما أحسستُ بها .. و أفسحتُ لها المجال .. فوقفت بجانبي تعبث بشعرها الأشقر .

جذبتني رائحة عطرها الأخاذة .. فنظرتُ إليها قائلةً :

- عطركِ رائع !.. إنه أخّاذ !

ابتسمت و نظرت إليّ قائلة :

- أعجبكِ ؟.. إنه هديةٌ من ( إدوارد ) .

سكنت تقاسيم وجهي فجأةً .. بينما أضافت :

- قد أهداه لي في عيد ميلادي العام الماضي .

ابتسمت من جديدٍ و قلت :

- لا عجبَ إذاً في أن يعجبني ، لـ ( إدوارد ) ذوقٌ جميل .

استدارت إلي و هي تتساءل :

- كيفَ تعرفتما على بعضكما ؟

قلتُ دونَ أن أشبعَ فضولها :

- جمعتنا الصدفة !.. عن إذنك .

قلتُ ذلكَ و سرتُ عنها ، إنها مربكة و لا أشعر بالطمأنينةِ نحوها أبداً !

عدتُ و انضممتُ للبقية .. و أمضينا وقتاً جميلاً حتى حانت الرابعة .
ودعنا ( جيمس ) و الجميع .. و صعدنا سيارتنا .

أثناء الطريق سألني ( إدوارد ) و هو يمسك بيدي :

- هل استمتعتِ ؟

قلتُ دونَ أن أنظرَ إليه :

- نعم كثيراً .

ثم نظرتُ إليه و قلت و أنا أعقد حاجباي :

- لكن ( جوليا ) .. لم أشعر بالإرتياح لها .. و أعتقد أنها هي الأخرى لم تتقبلني .

ثم قلت بانفعال :

- أرأيتَ تعابير وجهها حينَ أخبرتها بعمري ؟!.. إنها تستصغرني !

ابتسمَ و قال :

- إنها تغار منكِ .

ارتفع حاجباي تعجباً و قلت :

- تغارُ مني ؟!.. لستُ أفوقها جمالاً و أناقةً .. فلمَ تغار ؟!

تنهدَ ( إدوارد ) و قال بهدوءٍ شديدٍ و هو يحدق في الطريق أمامه :

- لأنها تحبني ..

اتسعت عيناي في دهشة ، و لم أستطع قولَ أي شيءٍ من شدة المفاجأة ، فاستأنفَ قوله بذاتِ الهدوء :

- و أنا أحبها .. إنها حبيبتي ..

فغرت فاهي من هول ما سمعت !.. حبيبته ؟!

صددتُ عنه و وضعتُ يدي عند رأسي ، أشعر أن رأسي سينفجر !.. كم من مفاجأةٍ مخبأةٍ بعد ؟!

شعرتُ بالغصةِ و الإختناق ، و كأنني وصلتُ لمرحلةِ الإنهيار !

سألني :

- هل أنتِ بخير ؟

التفتُ إليه و الغضب يسعر جوفي ، و قلت بعصبية :

- هل تزوجتني لإذلالي ؟!.. لتحرقني كل لحظة ؟!.. إن كانت حبيبتكَ و أنتَ حبيبها !.. فلما لم تتزوجها بدلاً من توريطي بهذا الزواج التعيس ؟!

أوقفَ السيارة عندَ جانب الطريق ، و نظرَ إلي قائلاً و هو يعقد حاجبيه غضباً :

- أتعتقدينَ أني لم أُرِد ذلك !؟ ، أنا أريد .. لكنها لا تريد !

رأيتُ وجهه يحمر ، و كأن بداخله بركانٌ يُسْعِرُه ..
أعاد نظرهُ للأمام و لزم الصمت و أنفاسه تتلاحق .

هدأتُ قليلاً ، ثم سألته :

- لماذا لا تريد الزواجَ منك ؟

أجابَ ببطء :

- لا أدري .

عقدتُ حاجباي .. و بدا لي أني كشفتُ سببَ رغبتهِ في الزواج بي .. و قلت بعصبية :

- و جعلتني طعماً أليسَ كذلك ؟!

نظرَ إليّ .. ثمَ أصدرَ ضحكةً قصيرة و قال :

- شعرتُ أنكِ طعمٌ نافع .. أحسستُ بغيرتها حقاً .

ثم قال و قد اتسعت ابتسامته :

- ربما تعود إليّ و تعلن لي رغبتها بالزواج مني .

قلت باشمئزازٍ شديدٍ و استغراب :

- بحق السماء !.. ألا تشعر بالعار و أنتَ تقول لي ذلك !
- لماذا !؟.. على العكس أنا أشعر بالانتصار !

عضضت شفتي بقهر ، بينما قال :

- في الواقع كلانا رابحين ، إن عَددنا أني نلتُ من ( جوليا ) .. أنا ربحتُ حبيبتي .. و أنتِ ربحتِ الحياة الكريمة التي وعدتكِ بها !

أدركتُ أنه مريض ، و لن يجدي معه الحديث أبداً .. فقلتُ و أنا أدفع بظهري على المقعد :

- رجاءً ، خذني إلى المنزل .
- تحتَ أمرك .

أدار المحرك .. و عدنا إلى منزلنا .


صعدتُ إلى غرفتي دونَ النظرَ إليه ، جلستُ معَ نفسي و الألم يعصر قلبي .. كيفَ وقعتُ في هذا الزواج ؟!.. لقد خدعني ( إدوارد ) !


•• الجزء الخامس ••🥀


استيقظتُ باكراً في اليوم التالي ، و رأسي لا يزال مشوشاً من مفاجأةِ الأمس .. قد فهمتُ أني لا يمكن أن أكونَ زوجةَ حقيقيةً لـ ( إدوارد ) ، و أعتقد أنه بعدَ أن أخبرني بسببِ زواجه مني .. فإنه سيتوقف عن التمثيل .. سيتوقف عن الاهتمام بي ، سيتوقف عن إبداء الإعجاب و إظهار الحب ..

لاشك أنه يحب ( جوليا ) كثيراً .. لكن كيفَ يحتمل إحراقها إن كان يحبها و هي تحبه حقاً ..!؟
قد تزوجني ، كيفَ يضمنُ عودتها له !.. إنه مجنون .

ذهبت إلى الحمام و أخذت حماماً دافئاً .. بعدها ارتديت ثياباً للخروج .. و وقفتُ عند المرآةِ أجفف شعري و أسرحه .. و أنا أفكر في قول ( إدوارد ) ..

نعم لقد ربحتُ الحياة الكريمة .. سأعيشها كيفما أشاء الآن ، سأشاركه هذا المنزل كما أحب .. سأخرج و أعود .. دونَ أن يتطفل علي ( إدوارد ) .. سأعيش و أسعد نفسي .. أما هو فليبقى ينتظر حبيبته ( جوليا ) .. حتى إن عادت ، لن أخرجَ من هذا الزواج خاسرة !

بدأت أتوتر هذه اللحظة ، كنتُ أكره ( جوليا ) .. و حينما علمتُ أنها حبيبته بتّ أكرهها أكثر .. لماذا فعلتَ هذا بي يا ( إدوارد ) ؟!

فُتحَ باب غرفتي ، فلتفتُّ أنظرُ من الداخل .. فإذا به ( إدوارد ) !

صددتُ عنه و قلت بانزعاج :

- ألا تعرف أن تطرقَ الباب !؟

سمعته يقول و هو يتقدم نحوي :

- لستُ مضطراً أن أطرقَ باب غرفةِ زوجتي .

ضحكت ساخرةً من قوله .. فسألني :

- تبدينَ و كأنكِ تستعدين للخروج !

قلتُ و أنا أقفلُ الساعة على معصمي :

- نعم .. سأذهب إلى الجامعة .
- غاضبةٌ مني ؟

نظرتُ إليه ، و قلت دونَ اهتمام :

- كُنت !.. لم أعد مهتمة بكَ الآن .

ابتسمَ و قال :

- تفكرينَ بشكلٍ جيد .

ذهبتُ إلى الخزانةِ و أخرجتُ كتبي .. وضعتهم في الحقيبة ، و جعلت حزامها على كتفي و قلت و أنا أهم بالخروج :

- عن إذنك الآن .
- ألن تتناولي طعام الفطور ؟!
- لا ، بالهناءِ و الشفاء .

و ذهبتُ عند الباب ، فقال لي :

- سؤصلكِ إن أحببتِ !

نظرتُ إليه و أنا أفتح الباب و قلت :

- لا أحب ذلك .. إلى اللقاء .

و غادرت الغرفة .. و داخلي يحترق ، لقد أحببتُ ( إدوارد ) .. لكن يجب عليّ أن لا أحبه أكثر ، فهو لم يحبني .. لذلكَ سأهتم بنفسي فقط و اتجاهله .

غادرتُ المنزل ، و قررتُ الركوب في سيارةِ أجرة .. و فكرتُ قبل ذلك ..

هل أذهب إلى الجامعة ؟.. سيكون مخزٍ أن أعود للدراسةِ في اليوم الثاني من زواجي .. ماذا ستقول صديقاتي عني ؟!

ترددت في الذهاب إلى الجامعة ، فعدلتُ عن الذهاب .. و فضلتُ السير على أقدامي في الشوارع ، سأتسلى و أتنزه طالما الجو صحو .

مضى الوقت بي دونَ أن أشعر .. تمشيت ، و تناولتُ إفطاري في أحدِ المطاعم .. ثم سرتُ قليلاً أيضاً حتى نالَ مني التعب .. فاستقليتُ سيارةَ أجرةٍ و ذهبتُ إلى المكتبة .. أقتنيت بعض الكتب و الأقلام و الكراسات للجامعة .

حينَ صارت الساعة العاشرة و النصف قررتُ العودةَ إلى المنزل .

عدتُ إلى المنزل ، و حينَ دخلتُ إلى الداخل ، وجدتُ ( إدوارد ) جالساً يشرب الشاي و يشاهد التلفاز ..

نظرَ إلي ، ثم نظرَ إلى الأكياس التي بيدي ، و نظرَ إلى عيني و حاجبيهِ مرتفعان .. و قال :

- تسوقتي ؟!

ابتسمتُ و قلتُ و أنا أقترب إليه :

- نعم ، لم أذهب إلى الجامعة .

ثم جلست بجانبه و قلت :

- تلزمني سيارةٌ يا ( إدوارد ) .
- لا بأس ، هل تقبلينَ بإحدى سيارتيّ ؟.. أم ترغبينَ أن تنتقي سيارةً معينة ؟
- لا بأس .. أعطني إحدى سيارتيك .

ابتسم و قال :

- لا ، سنذهب هذه الليلة لشراءِ سيارةٍ لكِ .. اختاريها بنفسك .

ثم أمسك بيدي و قال بلطفٍ و ابتسامته تتسع :

- ستكون هدية زواجنا .

ابعدتُ وجهي عنه بانزعاج ، و رددتُ بضيق :

- زواجنا !..

أحسستُ بيدهِ تشد على يدي .. نظرتُ إليه ، فقال و هو ينظر في عيني بهدوء :

- أعتقد أني سببتُ لكِ الخيبة .

أحسستُ بالقهرِ و الألم حينما قال ذلك .. ، قلت بألم و الحزن بادٍ على وجهي :

- قد تعمدتَ ذلك !
- أنا آسف .

سحبتُ يدي من يده حينَ أحسستُ بالدموع تكاد تفلتُ من عيناي ، و وقفتُ لألتقطَ ما تبضعت و أنا أقول :

- لا داعي للتأسف ..

و نظرتُ إليه و قد انحدرت دموعي على وجنتي :

- لقد أفسدتَ سعادتي قبلَ أنْ أستوعبها حقاً !

و ذهبتُ عنه .. محاولةً مقاومةَ ألمي و حزني .. و التعاسة التي صرتُ فيها ..
لا أعرف متى سأعتاد على هذا الوضع .. و متى أتقبل أن أحلامي الوردية واقعها سواد !.. متى أتقبل أن زواجي ما هو إلا أضحوكة ضحكَ علي بها .

========

خرجتُ و ( إدوارد ) في وقتٍ باكرٍ هذا المساء .. ذهبنا لشراء سيارةٍ لي كما وعدني .. غمرتني السعادة حينَ دخلت معرض السيارات ، كان كل شيءٍ يلمع ، كل شيء مبهر باختصار .. احترت في بادئ الأمر أية سيارةٍ سأختار ، لكني اخترتُ السيارة التي أحبببتها في النهاية و دونَ تردد ، سآخذ من ( إدوارد ) ما أستطيع أخذه طالما هو راضٍ بذلك !

بعدها ذهبنا إلى مطعمٍ لنتناول العشاء .. و قد كان ( إدوارد ) هادئاً جداً .. بل كان الصمتُ أقربُ إليه من الهدوء !

نظرتُ إليه محاولةً قراءة أفكاره ، كان ينزل عينيهِ في لحظاتٍ كثيرةٍ و يفكر .. شيءٌ ما يشغله !.. ترى ما هوَ ؟

حضر الطعام .. فنظرَ إليّ و قال بهدوء :

- تفضلي .

قلتُ :

- سآكل .. لكن ماذا عنك !؟

ظل يحدق إلي بصمت ، فقلتُ أسأله :

- فيما تفكر ؟.. مالذي يشغلك ؟

تنهدَ و هو يرفع حاجبيه في حيرة .. ثم قال :

- ( جوليا ) تتصل علي .. و لم أجبها .

شعرتُ بقلبي ينقبض .. آه ( جوليا ) !.. يبدو أنّ الأمورَ بدأت تتحرك لصالح ( إدوارد ) .. ها قد وقعت ( جوليا ) في الفخ !

قلتُ ساخرة :

- و لمَ لم تجب !؟.. أما كنتَ تنتظرُ منها ذلك ؟

أنزلَ عينيه و قال بصوتٍ مكسور :

- أخشى أنْ تُخَيّبَ ظني .
- ستخيب ظنكَ إن استمررتَ في تجاهلها !

رفعَ عينيهِ إلي دونَ أن يحركَ شفتيه بكلمة ، فقلتُ و أنا أضع الطعام في طبقي :

- حينَ تتصلُ عليكَ ثانية ، أجبها .

ثم رفعتُ بصري إليه ، فإذا بي ألمحُ ابتسامةً جميلة على وجهه .. ابتسمتُ إليه و قلت :

- ماذا ؟!

قال و الابتسامة لا تبرحُ و جهه :

- أتعرفينَ يا ( كريستي ) ؟.. أنتِ رائعة !

اتسعت ابتسامتي حتى كشفت عن اسناني ، و قلت :

- هيا لنتناول العشاء قبل أن يبرد .

تناولنا عشاءنا على مهل ، بعدها غادرنا المطعم ، و صعدنا سيارتي و عدنا إلى المنزل ..

فورَ دخولنا .. استقبلتنا إحدى الخادمات ، و قالت تخاطب ( إدوارد ) :

- سيدي ، هناكَ امرأةٌ بالداخل .. جاءت منذ قليلٍ و هي تنتظرك في غرفةِ المعيشة .

أنهت الخادمة قولها .. و تبادلنا النظرات أنا و ( إدوارد ) .. و أعتقد أنه يفكر تماماً بما كنت أفكر .. ( جوليا ) !

و لم تمنحنا ( جوليا ) وقتاً للسؤال .. حيثُ جاءت بنفسها لتقف عندَ مدخل الغرفة تنظر إلينا ..

وجهنا نظراتنا إليها .. بدت لي مرتبكةً قليلاً .
رفعتُ بصري نحو ( إدوارد ) ، كان ينظر إليها بصمت .. و قد أحسستُ بلهفتهِ إليها من خلال عينيهِ و أنفاسه التي بدت تتسارع !

لا أعرفُ شيئاً عن علاقتهما ، لا أدرك كم مضى الحال بهما مبتعدينِ عن بعضهما .. أو منذ متى يعشقان بعضهما .. لكن الحب قد كان سيد الموقف الآن !
هاقد عادت إليه .. و هو متلهفٌ لعودتها ..

كسرتْ ( جوليا ) الصمت بصوتها الهادئ :

- ( إدوارد ) .. أعتذر لحضوري دونَ موعدٍ مسبق .. لكن .. طلبتكَ على الهاتفِ مرتين و لم تجبني .

أجابها بذات الهدوء :

- كنتُ بصحبةِ زوجتي ..

نظرتْ إلي .. نظراتٍ لم أرها من قبل في عينيها ، إنها تبدو ( جوليا ) مختلفة عن ( جوليا ) التي أعرفها .

فكرتُ في الانسحاب و ترك المجال لهما .. فقد شعرتُ أنّ شوقهما كبير .. رغم غضبي من كليهما ..

قلتُ استأذنهما للإنصراف :

- حسناً إذاً .. سأذهب إلى غرفتي ، عن إذنكما .

و انصرفتُ و صعدتُ لغرفتي .. جلستُ و لزمتُ الصمت .. أفكر فيهما و قلبي يحترق غيرةً من ( جوليا ) .. قد لا أحب ( إدوارد ) كثيراً و لكني زوجته !.. كم يجب عليّ أن أتحملَ بعد ؟
إن عادت ( جوليا ) و وافقت على الزواج منه .. فلن يكونَ لي مكاناً هنا !.. سيتم تجاهلي و إحالتي للعدم .. أنا هنا بشكلٍ مؤقت !

بدأت ارتعد من هذه الأفكار .. فحاولت تناسي الأمر و الخلود إلى النوم .. فاستبدلت ثيابي و اندسستُ تحتَ غطاء السرير حتى نمت .


•• الجزء السادس ••🥀


فتحتُ عيناي في الصباح ، نظرتُ إلى نافذتي .. كان الثلج يتساقط بخفة و هدوء .. نهضتُ و أخذت حماماً دافئاً و استعددتُ بعدها للنزول ..
كنتُ أجفف شعري و أنا أفكر في ( إدوارد ) و ( جوليا ) .. ينتابني الفضول لمعرفةِ ما حدثَ بينهما !

حينَ انتهيت من تجفيف شعري و تسريحه .. نزلتُ إلى الأسفل لغرفةِ الطعام ، حينَ دخلتُ الغرفة لم أجد ( إدوارد ) .

سألت إحدى الخادمات عنه ، فأجابتني أنه غادر إلى عمله دونَ أن يتناولَ طعام الفطور !
أصابني الإستياء .. لقد غادر دون رؤيتي !

تناولت إفطاري ، و بعد ذلكَ صعدتُ إلى غرفتي .. و أمسكت بهاتفي و طلبت رقم ( إدوارد ) .. بدأ بالرنين ، فتوقفت قدماي عند النافذة أنتظر أن يجيب .

أخيراً جاءني صوته :

- صباح الخير ( كريستينا ) .

أجبته باغتضاب :

- صباح الخير !.. أينَ أنت ؟!
- في العيادة .

قلت باستغراب :

- منذ الصبح الباكر ؟!
- نعم .. هل تريدين شيئاً ، لدي عملٌ الآن .

انتابني الحزن .. و قلت بصوتٍ مخذول :

- تمنيتُ الحديث معكَ هذا الصباح !
- فيما بعد .. عن إذنك .

لم أقل شيئاً ، بل أغلقت الهاتف بقهر .. في الواقع كنت أريد سؤاله عما حدثَ البارحة بينه و بينَ ( جوليا ) ، ثائرٌ قلبي !.. يريد معرفةَ التفاصيل التي جرت بينهما !

ألقيتُ بهاتفي على السرير .. و نظرتُ إلى الثلج المتساقط .. و وجومٌ شديدٌ دبّ داخلي .. كان هذا الصباح سيء !.. سيءٌ و فارغ من الأجابات .. بدأت حقاً أشعر بالإحباط !

========

قد حلّ العصر ، و ( إدوارد ) لم يعود !
لم يعد ليتناول طعام الغداء .. ربما هو معتادٌ على تناولهِ في الخارج حينَ يعمل .. لكنه لم يهاتفني كذلك !.. و هو يعلم جيداً أني أرغبُ بالحديث معه .

بدأتُ أشعر بالإنزعاج .. لقد تغيّرَ ( إدوارد ) في ليلةٍ بسبب ( جوليا ) !
ترى ماذا دارَ بينهما ؟!

خرجتُ من غرفتي .. و تبادر إلى ذهني أنْ أذهبَ لغرفةِ ( إدوارد ) ، ربما أستطيع معرفةَ أشياء أخرى عنه من خلالها .

بدأتُ في البحث عن غرفته ، و لم يتطلب البحث العناء .. حيث عثرت على غرفتهِ بسرعة .

فتحتها و عرفتها فوراً من رائحةِ عطره التي تفوح في أرجاء الغرفة .. كانت غرفته رحبة .. أثاثها رفيع الطراز ، كانت تشبه ( إدوارد ) !

دخلتُ و أغلقتُ الباب بهدوء .. و وقفتُ عند البابِ أتفحصها .. حتى وقعت عيناي على إطاراتِ صورٍ على المنضدةِ قربَ السرير .

خطوتُ بهدوء .. و وقفت عند المنضدة ، فوقعت عيني على إطارٍ يحتوي صورةً لـ ( جوليا ) .

عقدتُ حاجباي بانزعاج .. ( جوليا ) ( جوليا ) ( جوليا ) !.. لما هي في كل مكان ؟!.. أيعشقها لهذا الحد ؟

استدرتُ و اتجهتُ نحو النافذة .. نافذةُ ( إدوارد ) لها ذاتُ إطلالةِ غرفتي .
بينما كنتُ اتأمل ، لمحتُ سيارةَ ( إدوارد ) داخل باحة المنزل .. فتبادر إلى ذهني أنه عاد إلى المنزل بكل تأكيد !

استدرتُ لأغادر الغرفة قبل أن يصعدَ إليها .. و أسرعتُ لأفتحَ الباب .. لكني توقفتُ مشدوهةً بعدَ فتحهِ حينَ رأيتُ ( إدوارد ) واقفاً قبالتي .

عقدَ ( إدوارد ) حاجبيه استغراباً ، و قال بهدوء :

- ماذا تفعلينَ في غرفتي ؟!

حاولتُ استجماع هدوئي و قلتُ مازحةً و أنا اتنحى عن الباب :

- جئتُ لأشتمّ رائحةَ عطرك !

دخلَ الغرفة و هو يمشي بتثاقل .. و قال :

- لا تدخلي غرفتي حينَ أكونُ غائباً .

نظرتُ إليه و قلت بعينينٍ متسعتين :

- ما العيبُ في أن أدخلَ غرفةَ زوجي !؟

التفتَ إليّ و الإنزعاجُ بادٍ على تقاسيم وجهه :

- ( كريستينا ) !

اقتربتُ منه و قلت :

- لما لم أركَ اليومَ بطوله !؟..

جلسَ على سريره و قال و هو يخلع معطفه :

- كفاكِ استجواباً .. و كأني لم أخبركِ أني سأعود لعملي بعدَ يومينِ من زواجنا .

قفزتُ للسؤال الأهم بالنسبةِ لي :

- لم تخبرني بما حدثَ ليلةَ البارحة !.. ماذا تريدُ منكَ ( جوليا ) ؟!

ابتسمَ و هو ينظر في عيني المتلهفتين و قال :

- جاءت لتخبرني عن مدى انزعاجها من وقوفكِ جانبي ليلةَ زواجنا .

أصدرتُ ضحكةً ساخرة .. بينما أنكسَ رأسه إلى الأرض .. ثم قال بصوتٍ منخفض و هو لا يزال ينكس رأسه :

- ( جوليا ) لا تريد الزواج بي .. لأنها لا تنجب .

حدقتُ فيه متفاجأةً من قوله .. و صمتت ، صمتتُ و أنا أتأمل الخيبة التي قصمت ظهرَ ( إدوارد ) .. الحزن البادي على جسده المنهك .. و وجههِ المتوجمِ منذ دخوله الغرفة !

لم يكن ( إدوارد ) بحالٍ جيدٍ لهذا السبب إذاً !..

رفعَ رأسه و الحزنُ يكتسي ملامحه .. و قال و هو ينظرُ إليّ :

- ماذا عليّ أن أفعل يا ( كريستينا ) !؟

ازدردتُ ريقي و هززتُ رأسي .. لا أعلم !
لا أعلم كيفَ عساني أنفعه ؟!..

رفعَ رأسه و هو يتأوه .. ثم استلقى على ظهره .. و قال :

- لقد بكت كثيراً ليلة البارحة ، أخبرتني أنّ زواجي كان وقعهُ قاسٍ عليها .. حينَ بدأتُ بلومها أعترفت بذلك .. قالتْ أنها تعرضت لحادثٍ منذ زمن .. و قد أثر على استطاعتها على الإنجاب .. ليتها أخبرتني منذ البداية .

أنكستُ رأسي قهراً و حزناً على نفسي .. ليتها أخبرته من البداية ، من الواضح أنه نادمٌ على الزواج بي !.. يبدو أنّ إقامتي هنا أوشكت على الإنتهاء .

رفعتُ رأسي إليه .. و قلتُ و أنا أحاولُ جاهدةً تمالكَ نفسي :

- ماذا ستفعل ؟
- سأجدُ حلاً ..

ثمَ جلسَ و نظرَ إليّ .. و التقت عيناه بعيني المغرورقتين .. فسألني :

- تبكين ؟!

قلتُ بصوتٍ مخنوقٍ و أنا أرفع كتفيّ بحيرة :

- و أنا ؟!.. ما ذنبي في كلّ الحكاية ؟!

ظل يحدق بي ، حتى صددتُ عنهُ حينَ أحسستُ بدموعي تنهمر .. ثم قال :

- يكفي ألّا تعلّقي قلبكِ بي .. و استمتعي بحياتكِ فقط ، استمتعي في كل لحظةٍ يا ( كريستي ) .

نظرتُ إليه .. فقال :

- سآخذ حماماً و أنام .. يمكنكِ المغادرة الآن .

سرتُ بصمتٍ للخارج ، و أنا على يقينٍ أنّ دوري انتهى .. انتهى تماماً ..


=========

منذ تلكَ اللحظة .. و ( إدوارد ) لا يبالي بي أبداً ، يغادرُ في الصباح الباكر و يعود قبيلَ الغروب .. و في بعضِ الأيامِ لا يجيء إلى المنزل حتى اليوم التالي !.. أغلب الظن أنه يمضي ليلهُ معَ ( جوليا ) ..

و أنا ابتلعتُ غصتي و تابعتُ دراستي بعدَ مضي أسبوعٍ من مجيئي إلى منزل ( إدوارد ) .. ما عدتُ أعترف بزواجي منه و لا عدتُ أجرأ في قول زواجنا أو أننا زوجين !.. سيحين الوقت لا محالة و أغادر هذا المكان .. لكن متى لا أعرف .

منذ أن عدت إلى متابعةِ دراستي و يومي أمضيهِ خارجَ المنزل .. بالكادِ أعود في المساء ، أتناول العشاءَ و أصعد إلى غرفتي ، آخذ حماماً و بعدها أرى ما عليّ من واجباتٍ و بحوثات .. و حينَ تحين الحادية عشر أخلد إلى النوم .. و بعض الأحيانِ أعود إلى المنزل في الثامنة بعد تناولي العشاء خارجاً .

صار المنزل كئيباً بعدما غابَ ( إدوارد ) عنه .. قد فقدَ الحياة .. أن تعيشَ منفرداً و وحيداً .. شعورٌ موحش !

لم أكن أشعر بالوحدةِ و الوحشة قبل مجيئي إلى هنا .. لكن قد فَرِقَ الأمر معي بعدَ أن شاركتُ ( إدوارد ) بعض اللحظات ..

في إحدى الأيام ، جاءني ( إدوارد ) في الصباح الباكر في غرفتي .. كنتُ لا أزال على السرير .. لم أنهض بعد .. و كالعادة .. هو لا يطرق الباب ، بل يقتحم الغرفةَ فوراً ..!

نظرتُ إليه و أنا لا أزال مستلقيةً .. و قد استغربتُ مجيئهُ في الواقع !.. إذ أنه مرّ وقتٌ طويلٌ لم يتحدث معي فيه ..

قال و هو يقف بعيداً و ينظر إليّ :

- لم تستيقظي بعد ؟!

جلستُ و أنا أجيبه :

- ها قد استيقظت .. ماذا عندك ؟
- ألن تذهبي إلى الجامعةِ اليوم ؟
- لا .. خيراً لمَ أنتَ هنا ؟!

أقتربَ مني و جلسَ على طرفِ السرير و التفتَ إليّ قائلاً :

- وصلتنا دعوةٌ لتناول العشاء هذه الليلة من أحدِ الأصحاب .. لذا استعدي هذا المساء .. كوني مستعدةً في السادسة على أقل تقدير .

رفعتُ حاجباي و أنا أرمقه باستهجانٍ و استنكار ، فسألني :

- لما تنظرينَ إليّ بهذه النظرات ؟
- هل تريد التّزَيُّنَ بي أمامَ أصدقائك ؟.. هل حضوري ضروري ؟!

أدار وجهه عني و قال :

- أنتِ زوجتي .. و عليكِ الحضور و مرافقتي في كل الإحتفالات و الدعوات .
- لا أريد .

نظرَ إليّ بعينينٍ حادتين ، فقلتُ و أنا أعقد حاجباي :

- أنا متعبة .. و لا طاقةَ لي في ادّعاءِ السعادةِ و الفرحِ معكَ أمامَ الملأ كذباً ، نحنُ لا نحبّ بعضنا .. أو بالأصح .. أنتَ لا تطيقني .

قال بهدوء و قد خفّ غضبه :

- لستُ أكرهكِ و لا أطيقكِ .. على العكس ، أنتِ صديقة رائعة يا ( كريستي ) .. إنما لا أستطيعُ مشاركتكِ كل شيءٍ و أنا أتمنى ( جوليا ) في كل شيء !.. سيكونُ ظلماً لكِ .

قلتُ بنبرةٍ حزينة :

- لقد ظلمتني بزواجكَ مني منذ البدايةِ أساساً .

وقفَ و قال و هو لا يزال ينظر إلي :

- استطعت الزواج ، لكني لا أستطيع أن أقيمَ علاقةً زوجيةً حقيقيةً معكِ .. و رجاءً كفي عن هذا الحديث يا ( كريستي ) .

أنزلتُ رأسي بقهر .. بينما قال :

- ستكونينَ جاهزة في السادسة ، سآتي بعدَ أن أعود من العيادة و أستعد أنا أيضاً .. لا تخيبي ظني .

لم أجبه ، فاستدار مغادراً الغرفة و أغلقَ الباب خلفه .

•• الجزء السابع ••🥀



حينَ حانت الساعة الرابعة .. غادرتُ المنزل ، أعرف أنه اقتربَ موعد مجيء ( إدوارد ) من عيادته .. هذه المرة لن أنزلَ عندَ رغبته ، لن أحضرَ العشاء معه .. فلتتأبط ( جوليا ) ذراعه .. أليسَ هذا ما يريدانه ؟!

ابتعدتُ كثيراً عن المنزل .. نزلتُ في أحد المجمعات ، مضيتُ بعض الوقت ثم غادرتُ المكان إلى أحدِ المطاعم .. لأولِ مرةٍ أدخل هذا المطعم .. يبدو قديماً و متهالكاً مقارنةً بالمطاعمِ الحديثة .. سأتناول أي شيءٍ نيابةً عن وجبةِ العشاء .. فقد بدأتُ أشعر بالجوع .

جلست على أحدى الطاولات الفارغة ، فجاء إلي النادل ليأخذ طلبي ..
بعد دقائق ، سمعتُ صوتَ انكسارِ زجاج .. كان قادماً من الداخل .. لفتَ انتباهي ذلك الصوت ، و لكن ما شد مسامعي أكثر هو صوت الصراخ و الصياح بعده ..

أغلب الظن أن أحد العاملين قد كسرَ شيئاً !
تذكرتُ حياتي السابقة كيفَ كانت ، تذكرتُ العناء و الشقاء الذي كنت أمر به كل يوم !..

لكن سرعان ما توقفت عن التذكر !.. فقد ظهرَ الشاب المتسبب في كسر الزجاج حزيناً و متألماً و ربّ العمل يشده من كمه يشتمه قائلاً :

- غادر الآن فوراً .. لا أريد أن أراك هنا ثانيةً أيها اللعين .

أمسكَ الشاب بيد الرجل و قال يرجوه :

- صدقني لن أكررَ ذلكَ ثانيةً يا سيدي .

صرخَ به :

- بل تقصد رابعةً أيها الغبي ، غادر المكان .. و راتبكَ هذا الشهر لن تنال منه فلساً واحداً .. سيكون عوضاً لي عن زجاجاتِ الشراب التي حطمتها .

بكى الشاب !.. و قد هزني ذلك و أثار غضبي .. فوقفتُ أنظر بغضبٍ و داخلي يعصف من الغيظ !

قال الفتى يتوسل للرجل :

- لا تفعل سيدي أرجوك ، أنا و أخوتي بحاجةٍ للمال !
- قلت انصرف .

تقدمتُ نحوهما بانفعال .. و قلت للرجل الغاضب :

- كم ثمن زجاجات الشراب ؟..سأدفع ثمنها لكن لا تحرم الفتى حقه .

نظرَ الإثنان إليّ بدهشة .. فأخرجت كل المال الذي في محفظتي و أعطيتها للرجل قائلة :

- هل هذا يكفي ؟

ابتسم الرجل و أخذ المال من يدي ، ثم قال :

- نعم ، يكفي ..

ثم رمى القليل من المال على الفتى و قال له :

- خذ هذا المال و انصرف عن وجهي .

شعرت بداخلي يحترق من تصرفه السيء .. فنظرتُ للفتى المكسور كيفَ ينظر للمال الذي وقعَ على الأرض .. و ما إن همّ ليلتقطه .. مددتُ يدي إليهِ أمنعه ..
نظرَ الفتى إليّ مستغرباً ، فانحنيتُ أنا و التقطتها .. و أعطيتها له و قلت :

- تعالَ معي الآن .

أجابني مرتبكاً :

- إلى أين ؟!

شددتُ على كفه و قدته إلى الخارج .. و وقفت به عند باب المطعم و قلت له :

- لا تهتم لما حدث ، سنبحث لكَ عن عملٍ الآن .

قال الشاب مبتسماً :

- ممتنٌ جداً يا آنسة ، لكن لا تشغلي بالكِ بي .. سأبحث غداً عن عمل ، أنا شاكرٌ لكِ .

حدقتُ به .. أشعر بالمسؤولية التجاهه ، ربما لأنه يذكرني بنفسي !.. أفهم جيداً ألمه و انكساره هذه اللحظة .

قال لي :

- سأذهب الآن لأشتري طعاماً لأخي و أختي ، لا أريد أن أتأخر عليهما .. شكراً ثانيةً .
- انتظر .. أريد المساعدةَ حقاً !

حدقّ بعيني باستغراب ، و قال متعجباً :

- لستِ مضطرة يا آنسة ..

قلتُ بإصرار :

- لكني أرغب بذلك .

بدأ الثلج بالتساقط هذه اللحظة .. فقال الشاب :

- شكراً .. لكن كيف ؟
- ما أسمك ؟
- ( كارلوس ) .
- أنا ( كريستينا ) .. هل معكَ هاتف ؟
- أجل .
- جيد .. سأعطيكَ رقمي ، و غداً سنلتقي في هذا المكانِ في الساعةِ الرابعة .

قال متردداً :

- حسناً ، إن كان ذلكَ يهمك !

ابتسمت و قلت بامتنان :

- شكراً .

أعطيته رقم هاتفي و حصلت على رقم هاتفه ، و وعدني أن يهاتفني غداً .. افترقنا بعدها .. و أنا أشعر بالكثير من السعادة تغمر قلبي .

و الآن .. بعد أن حلت الساعة السابعة .. سأعود للمنزل ، لاشك أنّ ( إدوارد ) غادر للعشاء .. سأعود لأتناول عشائي في المنزل فأنا أتضور جوعاً .

عدت إلى المنزل .. و فور دخولي ذهبتُ إلى المطبخ لأسألَ عن العشاء ، أخبرتني الخادمة أن العشاء سيكون جاهزاً بعدَ نصفِ ساعة .. فقررتُ أن أصعدَ إلى غرفتي للإستحمام إلى حين العشاء .

ذهبتُ إلى غرفتي .. و حينَ دخلتها تفاجأت !..
كانَ بها ( إدوارد ) !

وقفتُ مشدوهةً مكاني عند الباب .. حينَ رأيته جالساً على الأريكة ينظر إلي ..
بدأ قلبي يخفق بشدة ، و أنفاسي تتلاحق خوفاً مما سيحدث .

قال بهدوء :

- أغلقي الباب و تقدّمي .

أغلقت الباب بسكونٍ شديد .. ثم تقدمتُ نحوهُ و أنا أحبس أنفاسي في صدري ، أشعر و كأنّ قلبي سيخرج من بينِ أضلعي !

وقفَ هو الآخر و تقدم نحوي .. فشلت حركتي .
كان وجهه بارداً كما هو دائماً ، لكن الشرر يتطاير من عينيه .. أشعر و كأنه يتوهجُ ناراً !

توقفَ قبالتي .. فقلتُ بصوتٍ ضئيل :

- أنتَ .. لم تذهب !

مدّ يده نحوي و شدّ على ذراعي بقوةٍ و هو يقول بهدوء :

- هل تجرؤينَ على عصياني يا ( كريستينا ) ؟!

أحسستُ بالألم من قبضته .. فوضعت يدي على يده التي تضغط بقوةٍ على ذراعي و قلت متألمة :

- أتركني !

لم يتركني ، بل استمر في الكلام و هو يعقد حاجبيه بغضب :

- حذرتكِ من أحراجي مع أصدقائي و لكنكِ .. لا تأخذينَ تحذيري على محمل الجد .

نظرتُ إلى عينيه بتوسل .. فأرخى قبضته ، و أنزلَ يده عني و قال و قد هدأ قليلاً :

- لمَ تغضبيني يا جميلتي ؟

شددت على ذراعي المتألمة بقهر ، و قلت بانفعال :

- لا ترغمني على مالا تطيقهُ نفسي يا ( إدوارد ) .. لا أستطيع ..
- بل تستطيعين .. إنه أمرٌ في غايةِ السهولة !

أغرورقت عيناي .. لا أريد الذهاب مرغمةً معه !
تنهد و قال آمراً :

- استبدلي ثيابكِ فوراً لنذهب ، ما زال هناك متسعٌ من الوقت .. أسرعي .
- سآخذ حماماً أولاً .
- استعجلي إذاً ، عشر دقائق و نذهب .. سأخرج فستاناً لكِ و حذاءً .. لا تتباطئي .

تحركتُ بغضبٍ و ذهبت إلى الحمام ، أخذت حماماً سريعاً جداً ، و حينَ خرجتُ من الحمام وجدتُ فستاناً أسوداً جميلاً و حذاءً أنيقاً ملقيانِ على السرير .. هما أيضاً من اختياره !

ارتديتُهما و جففتُ شعري بالمنشفةِ و سرحته على عجل .. ألتقطتُ حقيبتي و معطفي و غادرتُ إليه .. كانَ ينتظرني في الأسفل ..

حينما رآني سكنت تقاسيم وجهه ، فقلتُ و أنا أقترب منه :

- أنا جاهزه .
- لم تضعي شيئاً من الزينة على وجهك !
- هل أعود لغرفتي ؟!
- لا ، أنتِ جميلةٌ هكذا أيضاً .. هيا بنا .

==========

وصلنا إلى القاعة قبل موعد العشاء ، دخلتُ و أنا متشبثة بذراعِ ( إدوارد ) كما هو متوجبٌ علي .. لكنّ ( إدوارد ) لم يلزمني بالبقاءِ ملتصقةً به !
ربما لأن ( جوليا ) لم تكن هنا ..

قضيتُ العشاء بصداعٍ شديد .. كنتُ صامتةً للغاية و هادئة ، لم يكن ليعجبني أي شيءٍ هنا و لا ليثير اهتمامي !.. جئتُ مرغمةً و ذلكَ قد بدا علي .. و ربما اعتقدَ البعض أني مغرورةً أو متعجرفة ، لا يهم فاليظنوا ما يشاؤون .. إني غير مهتمةً بهم .

مضى الوقتُ أخيراً .. و حينَ عدنا إلى المنزل دلفنا إلى الداخل .. فقال ( إدوارد ) و هو يتقدمني و دونَ أن ينظرَ إلي :

- تصبحينَ على خير .

لم أجبه ، بل ظللتُ أحدق به حتى غابَ عن عيني .. ثم صعدتُ لغرفتي .

========

كان الجو صحواً في اليوم التالي ، و الشمس قد بانت أشعتها من خلف الغيم .. خرجتُ إلى الجامعةِ في الساعةِ السادسةِ و النصف .. أمضيتُ وقتي في الجامعة حتى الظهر ، ثم ذهبت للغداءِ في أحدِ المطاعم ، بعدَ ذلك عدتُ لمكتبةِ الجامعة و أمضيت الوقتَ فيها حتى حانت الثالثة .. غادرتها و أنا متذكرةً ( كارلوس ) ، لقد وعدتُ أن التقيهِ في الرابعة عندَ ذاك المطعم .

وصلتُ هناك قبلَ الرابعةِ بعشرين دقيقة ، و بعدَ عشرِ دقائق من الإنتظار ، وجدت ( كارلوس ) مقبلاً إليّ !

حينَ رآني ابتسم ، فأسرع خطاه حتى اقتربَ مني قائلاً :

- أهلاً يا آنسة .

صافحتهُ بوجهٍ مبتهج :

- مرحباً ، كيفَ حالك يا ( كارلوس ) ؟
- بخير .. ماذا عنكِ ؟
- جيدة جداً .

قال لي بسعادة :

- لقد ذهبتُ هذا الصباح للبحث عن عمل ، و من حسن الحظ أني عثرتُ على عملٍ جيد .

قلتُ بحماسٍ و سعادة :

- رائع ، و ما هو عملك ؟
- سأعمل رجل أمنٍ في أحد الفنادق .. لم يتم إبلاغي بموافقتهم على العمل لكنهم وعدوني بارسال الجواب قريباً .
- هذا جيد .. إلى حين ذلك ، هل ستكون أنتَ و أخوتكَ بخير ؟!
- نعم .. شكراً لاهتمامك .

دعوته بعدَ ذلك للجلوس في أحد الأماكن العامة و شرب القهوة .. و حينَ كنا جالسين .. سألته عن نفسه :

- كم عمرك ؟.. و هل تدرس ؟

قالَ و هو ينظر في كوبه بخجل :

- أنا في الثالثةِ و العشرين من عمري ، لكني لا أدرس .. في الواقع ..

و رفعَ عينيه عن كوبه إليّ و قال :

- لم أكمل دراستي العامة بسببِ ظروفي السيئة ، والداي متوفان .. و أنا أكبر أخوتي و أحاول الاهتمام بهما و مساعدتهما في العيش .

تعاطفت معه كثيراً ، و قلت باهتمام :

- كم عمرهما ؟

قال و قد ارتسمت السعادة على وجهه :

- أختي تصغرني بسنتين ، و هي ستتزوج في فصل الصيف .. أي أنها ستعيش حياتها مع رجلٍ يحبها و يهتم بها و هذا يشعرني بالراحة و الإطمئنان .. كذلك سيقل عبئي يا ( كريستينا ) .

ابتسمت بسعادةٍ أنا الأخرى و قلت :

- رائع ، رائعٌ جداً !.. أرجو أن تعيشَ حياةً رائعة مع زوجها .
- أنا واثقٌ من ذلك .. فهو يحبها كثيراً كما أن له منزلاً جميلاً و عمل جيد .. سيوفر لها حياةً رائعة .
- حسناً !.. و ماذا عن أخيك ؟

أخذَ نفساً و قال :

- أخي بعمر السادسة عشر ، تبقى القليل لينهي دراسته العامة .. أنا و شقيقتي نساعده على ذلك بما نستطيع .
- جيدٌ جداً ، و اعلم يا ( كارلوس ) أني مستعدةٌ للمساعدة في أي وقت .

ابتسم و قال :

- شكراً لكِ ، لكن .. يتملكني الفضول لأعرف .. ما سبب حماسكِ للمساعدة يا ( كريستينا ) ؟

ابتسمت على مضض ، و قلت بهدوء :

- حينَ رأيتك ، تذكرتُ نفسي .. كنتُ أعملُ نادلةً في أحدِ المطاعم ، و اقترفت ذات الخطأ .. كدتُ أن أطرد !.. لذلكَ شعرتُ بالغضب من تعاملِ ذاك الرجل معك .
- آه !.. فهمت ، و ماذا تعملينَ الآن ؟!

ضحكتُ و قلت :

- أنا لا أعمل الآن ، لقد تزوجت و تركت العمل ، لكني أدرس في الجامعة .. أنا في مثل عمرك يا ( كارلوس ) .
- جميل .

قلتُ له باهتمام :

- يجب عليكَ أن تكملَ دراستكَ أنتَ الآخر ، سأساعدكَ على ذلك ، ما رأيك ؟

اتسعت عيناه دهشةً .. و قال :

- ذلكَ صعب !.. ثم أنّ العمل لا يمنحني الوقت .

قلتُ معترضة :

- ليسَ صعباً ، بإمكانكَ تنسيق عملكَ بما يتناسب مع دراستك ، أعتقد أنّ ذلكَ ممكناً .. و المال .. سأساعدكَ أنا في أمره .

صمتَ و هو يحدق بي ، فقلتُ اشجعه على ذلك :

- لكَ الحق يا ( كارلوس ) في أن تدرسَ و تكونَ ما تطمح إليه .. لقد بذلتَ الكثير لأجل أخوتك .. حان الوقت ، لأن تلتفتَ لنفسك و تؤتيها حقها .

صمتَ مفكراً ، ثم ارتشفَ من كوبه .. و نظرَ إليّ و قال بهدوء :

- سأرى ذلك ، لكن بعدَ زواج أختي .

ابتسمت و قلت :

- حسناً .. لكن لا تلغي الفكرة ، هذا هو المهم .
- أعدكِ أن لا أفعل .

خلعتُ معطفي و وضعته على الكرسي ، ثم أمسكت بكوبي لأشربَ القهوة .. لكن سرعان ما توقفت حينَ رأيتُ ( كارلوس ) ينظر إلى ذراعي بارتياب !

نظرتُ إلى ذراعي ، فرأيتُ كدمةً زرقاء .. إنها أثر قبضةِ ( إدوارد ) !

نظرتُ لـ ( كارلوس ) ، فسألني :

- هل أنتِ بخير ؟.. ماذا حلّ بذراعك ؟

قلتُ دونَ اكتراث :

- أحدهم قد شدّ قبضته علي ّ ، لا تهتم ..


•• الجزء الثامن ••🥀



مضى أسبوعان منذ معرفتي بـ ( كارلوس ) .. كنت فيهما ألتقي به كل يومٍ في العصر ، و أحياناً أخرى ألتقيهِ في المساء .. أي أني أقضي معظم وقتي خارج المنزل .. بالكاد أرى ( إدوارد ) ، و هو لا يهتم بي أبداً .. كنتُ آخذ منه المال فقط .. و هو يعطيني دونَ سؤال ، إنه شديد الكرم حقاً .

في يوم الإجازة و في العصر ، كنتُ أستعد للخروج للقاء ( كارلوس ) .. في هذا الحين فاجأني ( إدوارد ) بدخوله الغرفة !

نظرتُ إليه و أنا أرفع حاجباي .. بينما تقدمَ حتى وقفَ قبالتي قائلاً :

- كيفَ حالكِ يا ( كريستي ) ؟
- جيدة !.. ماذا عنك ؟
- بحالٍ جيد .

عدتُ إلى مرآتي أصلحُ شعري قائلة :

- ماذا عن ( جوليا ) ؟

لم يجبني ، فحانت مني التفاتةً إليه .. فقال :

- إنها بخير .. طلبتُ منها أن تعرضَ نفسها على طبيب ، ربما تجد حلاً لمشكلتها .

انقبضَ قلبي حينما سمعته يقول ذلك .. فتوقفتُ عن العبث بشعري ، و سألته بهدوء :

- ستتزوجها إن تعافت ؟

قال ببرود و هو ينظر في عيني :

- سأتزوجها حتى إن لم تتعافى ..

أخذتُ نفساً و عدتُ بنظري للمرآة ، لا أعرف لما شعرتُ بالإنكسار .. رغمَ إدراكي بحقيقةِ زواجنا و الغايةَ منه ، رغمَ معرفتي أنّ ( إدوارد ) لا يحبني بل يحب امرأةً أخرى .. رغمَ استيعابي أني سأغادر هذا المكان يوماً .. ما زلتُ أتأثر !

قال سائلاً :

- ستخرجين ؟

نظرتُ إليه و أجبت :

- أجل .
- هل نقضي وقتاً معاً ؟.. أشعر بالضجر .

ابتسمتُ قائلةً متعجبة :

- أقلتَ معي ؟!

ابتسمَ و قال و هو يضع يديه على كتفي :

- زوجتي الجميلة .. زوجكِ وحيدٌ هذه الليلة ، ما رأيكِ أن نتصاحبَ هذا المساء و نعود إلى حينِ انتصافِ الليل ؟.. ربما نذهب إلى السينما !..
- آسفة ، سألتقي بصديقٍ بعدَ قليل .

ارتفعَ حاجباه ، و ابعدَ يديه عني و وضعهما في وسطه و قال :

- أ لديكِ أصدقاء ؟!

ابتسمت و أجبت :

- بالتأكيد .
- لم تخبريني بذلك .. و لم تحدثيني عنهم !

قلتُ و أنا أعيد ترتيبَ مستحضرات الزينة في الأدراج :

- متى رأيتكَ أساساً ؟.. و متى كنتَ مهتماً بي أصلاً ؟
- كنا نتكلم عن أصدقائي ، و لم تذكري لي أصدقاءك !

نظرتُ إليه و قلت :

- حينَ تحصل فرصة كهذه ، سأحدثك .. الآن أنا أستأذنك .

و التقطت حقيبتي و اتجهت نحو الباب .. فتبعني .. استدرتُ إليه و قلت مقترحةً :

- يجب عليكَ أن تذهبَ لأصدقائك أو .. لـ ( جوليا ) .. أخشى أن يقتلكَ الملل !
- ( جوليا ) ليستْ هنا ، و إلا لما كنتُ واقفاً أمامكِ الآن !

تجمدت تقاسيم وجهي ، فقال و هو يفتح الباب :

- اقضي وقتاً ممتعاً و لا تقلقي علي يا جميلتي .

و سبقني للخارج .. فعضضتُ على شفتي بضيق ، و أخرجتُ تنهيدةً و غادرتُ أنا الأخرى .


========

خرجت من المنزل ، و صدري ضاقَ بهمه .. قد استحوذ الأمر على تفكيري .. ( إدوارد ) سيتزوج قريباً !

لا أعرف لما حملتُ هماً .. لكني خائفة من النهاية ، خائفةٌ أن أكونَ مطلقةً و أنا مازلتُ في عمرٍ صغير .
أفكر كيفَ ستكون حياتي بعدَ ( إدوارد ) !

أحسستُ برأسي مشوشاً مما زاد بؤسي .
وصلتُ أخيراً حيثُ سألتقي بـ ( كارلوس ) ، لم يأتي ( كارلوس ) بعد ، فجلستُ أنتظره على أحد المقاعد و الطاولات .. إنما ما زلتُ مثقلةً بكلامِ ( إدوارد ) ..!

وضعتُ رأسي على الطاولةِ و أنا أشعر بالإعياء و الضيق .. لن أستطيعَ مساعدةَ نفسي من هذه المصيبة ، و الأمر محتوم .. سأتطلق عاجلاً أو آجلاً .. سأعيش بمفردي و ستستحوذ ( جوليا ) على ( إدوارد ) .. أنا سأعود وحيدة .. و هو سيعشُ كما خطط له .. لقد استغلني .. و كم أحسنَ استغلالي !..

قطعَ أفكاري طرقٌ على الطاولة .. فاعتدلتُ على كرسيّ قائلةً و أنا أنظر لـ ( كارلوس ) :

- جئت !؟

ابتسم و قال و هو يجلس على مقعده :

- كنتِ نائمة ؟!
- لا ..

سكنت تقاسيم وجهه و هو يحدق بي ، ثم قال بهدوء :

- خيراً يا ( كريستي ) ؟.. تبدينَ شاحبة و متعبة !

أنزلتُ نظري .. و بان الحزن على وجهيي .. و غرورقت عيناي .. قد فاض بي ألمي و حزني و ما استطعت تمالكَ نفسي !

فزعَ ( كارلوس ) حينَ رأى دموعي تجمعت بأحداقي ، و قال قلقاً :

- ( كريستينا ) !.. هل هناك ما يضايقك يا عزيزتي ؟

لم أستطع حقاً تمالك نفسي .. فدفنت وجهي بينَ ذراعي على الطاولة و أنا أجهش بالبكاء ..
جاءني ( كارلوس ) و جلس على ركبته على الأرض و يده على كتفي محاولاً تهدئتي :

- أرجوكِ كفي عن البكاء و اخبريني ، ماذا أصابكِ يا عزيزتي ؟.. ( كريستينا ) توقفي عن البكاء .. اهدئي !

بعدَ لحظاتٍ من البكاءِ الشديد ، رفعتُ رأسي و مسحت بكمي دموعي التي عبثت بوجهي .. و أنا أحاول التوقف عن البكاء .. كنت أصدر شهقاتٍ كالطفلة .. كنتُ أحسبني سأصمد ، لكني بدأتُ بالانهيار !

وضعَ ( كارلوس ) يده على وجنتي يمسح دمعي و هو يقول :

- هوني عليكِ أرجوكِ ، هل أنتِ أفضل الآن يا عزيزتي ؟

هززتُ رأسي و قلت :

- نعم ، شكراً لك .
- سأحضر ماءً و أعود .

ذهبَ و أحضرَ ماءً .. شكرته و شربتُ قليلاً ، ثم عاد إلى مقعده و قال و هو يحدق بي بقلق :

- ما بكِ يا ( كريستي ) ؟.. لما كل هذا البكاء ؟.. أنا قلقٌ عليكِ ، قد أفزعني بكاؤك!

قلتُ له بقهر :

- أشعر بتعاسةٍ كبيرة ، أرى أفقاً مظلماً لا حدود له .. أشعر بالكثير من الخيبة !

عقدَ ( كارلوس ) حاجبيه و قال باهتمام :

- آه يا إلهى !.. لمَ كل هذا ؟

سردتُ لـ ( كارلوس ) كل الحكاية ، منذ لقائي بـ ( إدوارد ) ثم اكتشافي حبه و استغلاله لي و من ثم جفاءه و اهماله لي !..
و أخيراً .. برغبته من الزواج بـ ( جوليا )..!

قال ( كارلوس ) لائماً إياي :

- ما كان عليكِ الزواج به .. ثم أنه يكبركِ كثيراً يا ( كريستي ) !.. ألم يكن ذلكَ كافٍ لترفضيه ؟!

قلتُ حزينة :

- لم أفكر بفارق العمر ، كنتُ أفكر في الراحةِ فقط .. في المال و الحياة الهانئة .

قال ( كارلوس ) و هو يقطب جبينه :

- رأيتُ أثراً على ذراعكِ ذات يوم .. هل يضربكِ ؟

اتسعت عيناي و أنا أجيبه :

- لا أبداً ..

و أضفت قائلة بصدق :

- إنّ ( إدوارد ) رائع !.. رائعٌ جداً .. ربما كنتُ أحببته لولا .. لولا صدوده و خديعته .

نظرَ إليّ بإشفاق ، و قال بصوتٍ هادئ :

- إنّ اللوم في الحقيقةِ يقعُ على ( إدوارد ) ، فهو من غشكِ .. هو لم يكشف نواياه من هذا الزواج قبل أن تتزوجا .

قلتُ بغضب :

- بالضبط ، لذلكَ أنا ناقمةٌ منه .. و هو يستفزني ببروده و عدم مبالاته .. بتُّ أعيش لنفسي .. أستمتع لوحدي و بوقتي .. لكنّ الخوفَ يغلبني الآن !.. أشعرُ و أنّ الأمرَ باتَ قريب !.. سأتطلق و لا أعرف كيفَ سأمضي حياتي !

ابتسمَ ( كارلوس ) و قال مطمئناً :

- مخاوفكِ ليستْ بالغريبة ، من الطبيعي أنْ تخافي من كل هذا .. لكن حينما تتطلقين ، ستقبلينَ على الحياةِ بشكلٍ عاديٍ و مريح .. ستحبين الحياةَ و أنتِ حرة ، بعيدة عن زوجكِ اللئيم .

قلتُ متألمةً :

- بل سأعاني الإنكسار يا ( كارلوس ) .. أنا جداً محبطة !
- لا يا عزيزتي .. لا تفكري بهذه الطريقة حتى لا تري الأفقَ أسوداً .. إنّ الحياة مشرقة .. و انفصالكِ سيكون خيراً .

ثم قال و قد اتسعت ابتسامته :

- بالإضافةِ .. لديكِ صديقٌ يحبكِ و لن يترككِ للإنكسار و الخيبة ..

و قال هامساً و هو ينظر في عيني :

- سأكون بجانبك ..

ابتسمتُ و قلتُ و أنا أشعر بالقليل من الإرتياح :

- ممتنةٌ جداً .. شكراً لوجودك يا ( كارلوس ) .

كان الشعور بالإرتياح مؤقتاً فقط !.. ما زلتُ خائفة
أضع يدي على قلبي خشيةَ أنْ تباغتني اللحظة المشؤومة !..

=========


في صباح أحدِ الأيام .. هاتفني ( كارلوس ) ، كان يريد رؤيتي و تناول الفطور معي .

أستعددتُ للخروج ، و غادرت الغرفة ..
و بينما كنتُ أسيرُ لأنزل ، و جدتُ ( إدوارد ) مقبلاً .. فتوقفت .
كان يمشي ببطءٍ و تكاسل .. يبدو عليه الإرهاق و كأنه لم ينم طيلةَ الليل .

قلتُ و أنا أنظر إليه :

- صباح الخير .

توقفَ و أجاب :

- صباح الخير ، ستخرجين ؟
- نعم ، سأتناول الإفطار خارجاً مع صديقي .

ضاقت عينيه و هو ينظر إلي .. ثم قال بهدوء :

- تخرجينَ كثيراً هذهِ الأيام يا ( كريستينا ) ، و دوماً تلتقينَ بصديقكِ الذي ظهرَ فجأةً .. من هو هذا الصديق ؟

حدقتُ في عينيه ، يتملكه الفضول !.. لماذا ؟!.. قطعاً ليسَ غيرةً عليّ من هذا الصديق .

قلتُ ساخرة :

- سأدعوه غداً على العشاء لتتعرفَ عليه ، ما رأيك ؟

فاجأني بجوابه :

- سيكون ذلكَ جيداً .. سأنتظره غداً .

و تقدمَ ليعبرَ من جانبي .. فشممتُ منه عطراً جميلاً ، رائحته مألوفةً لدي .. حاولتُ التذكر ..
فاتسعت عيناي حينَ تذكرتُ أينَ شممته !

استدرتُ إليه و سألته بقلبٍ منقبض :

- عادت ( جوليا ) ؟!

توقفَ حينما سمعَ سؤالي .. ثمَ استدار إليّ و قال و هو يرفع حاجبيه :

- نعم .. ما أدراكِ !؟

أحسستُ بالدمِ يغلي في عروقي ، لكني تصنعت الهدوء .. و أخذتُ نفساً و أجبت :

- رائحة عطرها الأخاذ ملتصقةٌ بك .

ارتسمت على شفتيه ابتسامةً لطيفة ، وضعَ يديه في جيبي معطفهِ و قال :

- نعم .. قد قضينا الليلَ معاً ، هل أعجبكِ العطر ؟!.. سأهديكِ واحداً .

عضضتُ على شفتي بقهر .. و أعتقدُ أنّ الغضبَ قد وضح على ملامحي هذه المرة !
سكنت تقاسيمه ، و قال و هو يقترب مني :

- أنا آسف .. لم أقصد ..

أنزلتُ رأسي إلى الأرض ، حاولت استجماع هدوئي .. ثم نظرتُ إليه و قلت :

- هل استطاعت العلاج ؟

هز رأسه و قال :

- لا .. أخبرها الطبيب أنّ ذلكَ مستحيل .

هززتُ رأسي .. في الحقيقة لا يهم إن كانت وجدت حلاً لمشكلةِ عدمِ الإنجاب ، و لا أعرفُ لما أطلقتُ هذا السؤال !
الأمر سيان .. إن كانت تستطيع الإنجاب أو لا ، هو سيتزوجها !

قلتُ له :

- عن إذنك .

و استدرت للمغادرة .. و قلبي يرتجف .
أشعر بالإنهزام !.. بالإهانة .. زواجي لم يكن حقيقياً ، جاء بي ( إدوارد ) لأكونَ أداةً نافعةً له لا أكثر .. سيرميها خارجاً بعدَ أن ينتهي منها ..
ذلكَ يقتلني قهراً و غيظاً .. يقتلني خوفاً مما سيعقب ذلك !


•• الجزء الأخير ••🥀



في اليومِ التالي .. منذ أن غادرتُ للجامعةِ صباحاً لم أعد إلى المنزلِ إلا في الساعةِ الثامنةِ و النصفِ مساءً ..

كنتُ منهكةً و أريد أن أنام ..
دخلتُ إلى المنزل و صعدتُ إلى حيثُ غرفتي ، لكن حينَ وصلتُ عندَ الباب .. استعدتُ كاملَ تركيزي و يقظتي حينَ رأيتُ كيساً أنيقاً معلقاً على مقبضِ الباب !..

تعجبت !.. و مددتُ يدي و التقطتُ الكيسَ و نظرتُ لداخله بفضول .
كانت به هديةً مغلفة !

ابتسمتُ حيثُ أدركتُ أنّ ( إدوارد ) من وضعها دونَ شك .. هذا الرجل يحاول دائماً تضخيمَ مخاوفي .. يحاول تصعيبَ الامر عليّ أكثرَ مما يجب ، ألم يقل لي لا تعلقي قلبكِ بي !؟.. لما يكونُ لطيفاً معي .. !؟

فتحتُ الباب .. و حينَ فتحتُ الباب وجدتُ ( إدوارد ) واقفاً عندَ النافذة .

وقفتُ للحظةٍ أنظرُ إليه متفاجئة .. بينما استدار إليّ و قال بهدوء :

- أخيراً عدتي ؟!

دخلتُ و أغلقتُ الباب .. ثم تقدمتُ نحوَ المنضدة لأضعَ حقيبتي و كتبي و أنا أقول :

- كنتَ تنتظرني ؟!

و بعدَ أن وضعتُ الكتبَ و الحقيبة .. نظرتُ لـ ( إدوارد ) و أنا أقول و أشير للكيس الذي بيدي :

- ماهذا ؟

ابتسم بلطف ، و تحركَ نحوي مقترباً و هو يقول :

- هديةٌ صغيرة ..

و وقفَ أمامي و هو يشبكُ يديهِ خلفه :

- افتحيها .

أخرجتُ العلبةَ من الكيس ، و نزعتُ المغلفَ من العلبة .. فإذا به عطر !

تبادر إلى ذهني أنه ذات العطر الذي شممته فيهِ صباح الأمس ، فنظرتُ إلى عيني ( إدوارد ) و أنا قاطبة الجبين ، و قلت متضايقة :

- ذات العطر الذي أهديتهُ لـ ( جوليا ) !

رفعَ حاجباً و هو يحدقُ بي بصمت ، و ما إن همّ بالكلامِ حتى رميتُ العطرَ بعيداً بغضبٍ صارخة :

- لا أريده !

نظرَ إلى زجاجةِ العطرِ التي صارت على الأرض ، ثم نظرَ إليّ و هو يعقد حاجبيه .. قلتُ و أطرافي ترتعد غضباً :

- هل تتعمد قهري ؟!.. ألا تكتفي من إذائي و تحطيمِ مشاعري !

هدأت تقاسيم وجهه و هو ينظر إلي متفهماً .. مدّ يديه نحوي ليمسكَ بي و هو يقول محاولاً تهدئتي :

- اهدئي يا ( كريستي ) .. إنه ليسَ ذات العطر !

أبعدتُ يديهِ عني و أنا أتراجع خطوةً للوراء ، و قلت بذاتِ الإنفعال :

- مهما يكن ، لا أريده !.. و لا أريدك !.. و أنتَ كذلكَ لا تريدني !

عقدَ حاجبيه من جديدٍ و هو ينظر إليّ متعجباً ، فقلتُ باكيةً و القهر ينهش قلبي ، و قد خفتَ صوتي :

- ستتزوجُ من ( جوليا ) ، ستتركني !.. فلا تصنع الكثير من الذكريات ، لا تزحمني بكَ يا ( إدوارد ) .. فأنتَ مفارقني !

و وضعتُ يديّ على وجهي أشهق بالبكاء .. فاقتربَ مني و أحاطني بذراعيه .. و قال و هو يضمني بصوتٍ حنون :

- لا لا لا !.. لا تفعلي ذلكَ يا جميلتي ، اهدئي أرجوكِ .

رفعت رأسي إليه و قلت بثبات :

- غداً .. غداً يجب أن ننفصل ، لنتطلق .

نظرَ إلى عيني متفاجئاً ، فحررتُ نفسي من ذراعيه و ابتعدتُ عنه بأنفاسٍ متسارعة .. و جلستُ على السرير و أنا أصدّ عنه .

ساد الصمت هذه اللحظة ، ما عدتُ أسمع غيرَ صوتِ تلاحقِ أنفاسي .. بعدَ دقيقة ، سمعته يطلق تنهيدةً طويلة .. ثم قال بهدوء :

- سنتحدثُ عن ذلكَ فيما بعد ، نامي الآن لترتاحي يا عزيزتي .

نظرتُ إليه و بداخلي الكثير من الحقد .. فابتعدَ ليغادر ، و لكن خطواته توقفتْ عندَ العطر الملقى على الأرض .. ثم قال دونَ أن ينظرَ إليّ :

- أقبلي هذا العطر ، رائحته تشبهكِ كثيراً .. و احتسبيها هديةً من صديق ..

ثم أكملَ طريقه للباب ، و غادر .
أخذتُ نفساً عميقاً محاولةً استجلاب هدوئي و استعادةِ زمام نفسي .. و نظرتُ للعطر ، زجاجته راقية جداً .. هل رائحته تبدو كذلك ؟

ابعدتُ نظري عن العطر بانزعاج ، و دسستُ نفسي تحتَ غطاءِ السرير ، ملتحفةً ألمي و حزني .. أفكرُ في قراري الذي اتخذته .. إنه القرار المناسب ، و كان عليّ اتخاذه منذ عرفتُ سببَ اتخاذ ( إدوارد ) إياي زوجةً له ..

أغمضتُ عيني باطمئنان .. غداً سيكون أجمل .. غداً ستنقشعُ الغمامةُ عن سمائي ، غداً سأشرقُ من جديد ..

========

جاء صبحُ الغد ، استيقظتُ و أنا لا أزال تحتَ تأثير البارحة ، مازلتُ أشعرُ بالإختناق و الضيق الشديد .. لكنني اليوم سأحسم الأمر ، لذلك يجب عليّ أن أكونَ بحالٍ جيدٍ و بعزيمةٍ قوية .. يجب أن لا أستسلمَ لألمي ..

نهضتُ من فراشي و ذهبتُ للحمام ، أستحممت و ارتديتُ ثيابي متأهبةً للجامعة .. و قفتُ عندَ المرآةِ و أنا أجفف شعري .. أفكر في كل شيءٍ حولي .

سأفتقد هذه الغرفة ، سأفتقد هذا المنزل .. سأفتقد الاستمتاع و الراحة !
سأعود لحياتي السابقة .. سأعود وحيدةً و شقية .. سأعود لألهثَ خلفَ المالِ من جديد .

انتابني حزنٌ شديد ، سأرجع للشقاء لا محاله .. ففي كل الأحوال ( إدوارد ) سيتزوج من ( جوليا ) ، و لأجل أن يتزوجها لابد أن يطلقني .. على الأقل إن تطلقتُ الآن برغبةٍ مني سأحفظ ما تبقى من كرامتي و كبريائي .

أنتهيت من التزيين ، حملتُ حقيبتي و كتبي .. و بينما كنت مغادرة ، و قعت عيناي على العطر المرميّ على الأرض .

توقفت أنظر إليه و كلام ( إدوارد ) يتردد على مسامعي ، فانحنيتُ و التقطته .. و رششتُ منه في الهواءِ أمامي لأشمه .
أغمضتُ عيناي و أخذتُ نفساً عميقاً .. فتسللتِ الرائحةُ إلى حواسي ، كانت رائحةً عذبة و فخمة ، هي حقاً مختلفة عن عطرِ ( جوليا ) .. إنها أجمل !

ابتسمت سعادةً بجمال العطر ، و قررتُ الاحتفاظ به ..

حسناً !.. لاحتسبها من صديقي ( إدوارد ) !
و تساءلت في نفسي ، هل من الممكن أن أكون أنا و ( إدوارد ) صديقان ؟!..
هراء .. ذلكَ مستحيل !
كنتُ أتمناه حبيباً و زوجاً .. فالأعترف !.. أنا أكن الكثير من المشاعر لـ ( إدوارد ) !

وضعتُ العطرَ في حقيبتي و غادرتُ الغرفة بهدوءٍ و مهل .
نزلتُ لغرفةِ الطعام متأملةً أن أرى ( إدوارد ) ، يجب أن ننهي كلّ شيءٍ عاجلاً .. و كان من حسنِ الحظِ أنه هنا يتناولُ إفطاره .

نظرَ إليّ حينَ دخلت ، نظرتُ إليهِ أنا الأخرى بوجهٍ متوجم ، و قلت بهدوء :

- صباح الخير .

أجابني بهدوءٍ هو الآخر :

- صباح الخير .

تقدمت نحو طاولةِ الطعام و جلستُ على الكرسي المقابل لكرسي ( إدوارد ) .. و بدأت بوضع الطعام في طبقي بصمت .
قال ( إدوارد ) :

- كيفَ أصبحتي ؟

قلتُ دونَ أن أنظرَ إليه :

- جيدة .

مرت لحظةُ صمت .. كنتُ أتناول فيها طعامي .. بينما هو كان يحتسي الشاي ، ثم سألني :

- هل أنتِ جادة بشأنِ ما قلتيهِ البارحة ؟

رفعتُ عيني عن طبقي إلى وجهه .. ثم قلت :

- بالتأكيد .. سأعود من الجامعةِ قبلَ الظهر ، عد أنتَ كذلك من عيادتك و لنذهب و ننهي الأمر .
- ليسَ اليومَ يا ( كريستي ) ..

صمتتُ و أنا انظر إليه بانزعاج ، و تساءلت :

- لماذا ؟!
- تمهلي قليلاً ، أو حتى حين زواجي من ( جوليا ) .

قلتُ و قد بدا عليّ التوتر :

- لا .. بل سننفصل في أقربِ فرصة !

صمتَ و هو يحدق في وجهي .. ثم قال بصوتٍ هادئ :

- سأفتقدكِ يا جميلتي .

قلتُ و أنا أنهض :

- لن تفتقدني ..
- حسناً .. غداً إذاً يا ( كريستي ) .

هززتُ رأسي .. و ذهبتُ عنه لأغادر .. لكني توقفتُ فجأةً متذكرة ، فاستدرتُ إليهِ و قلت :

- شكراً على الهدية ، قد أحببتُ العطرَ كثيراً .

ابتسمَ بلطفٍ و قال :

- ذلكَ أسعدني يا عزيزتي .

قلتُ مترددةً بصعوبة :

- هناكَ شيءٌ أيضاً ..

رفعَ حاجباه و قال :

- ماذا ؟!
- أريدُ تعويضاً ..

ظل يحدق في عيني بصمتٍ للحظات .. ثم قال و هو يمسكُ بكوبه :

- من حقك ، اطمئني لن تخرجي من هذا الزواج خاسرة .

ثم نظرَ إليّ و قال :

- سأشتري منزلاً لكِ و سأهديكِ المال .

هززتُ رأسي برضا .. فسألني :

- بشأنِ صديقك !.. انتظرتكما البارحةَ على العشاء و لكنكِ لم تأتي بهِ إلى هنا !.. ماذا حدث ؟!

اتسعت عيناي تعجباً و دهشة ، و قلت :

- كنتَ جدياً ؟.. بشأنِ العشاء ؟!
- لا أذكرُ أنيّ ألقيتُ الكلامَ اعتباطاً !

صمتتُ للحظةٍ و قد أخذتني الحيرة ..و أنكستُ رأسي مفكرة .. ثم رفعتُ إليه عينيّ و قلت :

- لا داعي لأن تتعرفَ عليه ، أنا و أنتَ مفترقان .. يجب أن لا تهتمَ بعلاقاتي .. و لا بأيّ شيءٍ يخصني .

نظرَ إليّ ببرودٍ شديد .. و اكتفى ، فعدتُ لاكملَ طريقي خارجَ المنزل .

========

خرجتُ منَ الجامعة قبيلَ العصر ، و فكرتُ في أينَ عساني أذهب .. ( كارلوس ) يعمل في هذا الوقت و لن أستطيعَ لقاءه ، قررتُ أنْ أتسوق .. فكرتُ في شراء بعض الهدايا لـ ( كارلوس ) و أختهِ و أخيه .. فلقد كنتُ أنوي ذلكَ منذ مدة و لم أفعل ..

ذهبتُ إلى السوق .. و فكرتُ كثيراً ماذا يمكنني شراء هديةٍ لـ ( كارلوس ) ، بعدَ تفكير .. و بعدَ البحث في السوق قررتُ أن أشتريَ ساعتينِ أنيقتينِ لـ ( كارلوس ) و شقيقه .. أما لأختهِ المقبلة على الزواج فقد تبضعتُ لأجلها الكثيرَ من أدوات الزينة و المكياج و طلبتُ منَ صاحب المحل أن ينسقها في علبةِ هديةٍ و يغلفها .

بعدَ أن انتهيتُ من التسوق ، نظرتُ إلى الساعةِ في هاتفي ، كانت الرابعة .. فقررتُ مهاتفةَ ( كارلوس ) ، فقد انتهى وقت عمله الآن .

هاتفته و أجابني ، فأخبرته أني أرغب بلقائه عندَ الحديقةِ المجاورة للفندق الذي يعمل فيه .
بعدَ ذلكَ ذهبتُ للقائه ، فوجدتهُ ينتظرني عندَ مدخلِ الحديقة .

أوقفتُ سيارتي و نزلتُ منها و أنا أحمل أكياسَ الهدايا .. اقتربتُ منه ، كان ينظرُ إليّ متفاجئاً بما أحمل ..!

توقفتُ عنده و أنا قائلة بسعادة :

- مرحباً ( كارلوس ) !

أجابني و علاماتُ الإستفهامِ باديةً على وجهه :

- مرحباً بكِ !.. ما هذا ؟!

ابتسمتُ و قلتُ له :

- إنها هدايا لكَ و لأخوتك .. أتمنى أن تعجبكم .

نظرَ إليّ بخجلٍ و قال :

- آه ( كريستينا ) !.. لما ذلكَ يا عزيزتي ؟!

اتسعت ابتسامتي و قلت :

- أنتَ و عائلتكَ أصدقائي الوحيدين .. أحببتُ أن أقدمَ لكم شيئاً فما الضير في ذلك ؟!

ابتسمَ و قال بهدوء :

- لطفٌ منكِ ذلك ، شكراً .
- هيا خذها !.. و دعنا نجلس .

و ذهبنا لنجلسَ على أحدِ المقاعد .. حينَ جلسنا أخرجتُ الهديةَ التي خصصتها لـ ( كارلوس ) و قلتُ له :

- تفضل ، هذهِ لك .. أتمنى أن تنال على إعجابك .

التقطها مني و هو يبتسم :

- شكراً جزيلاً ، أيمكنني فتحها الآن ؟
- بالتأكيد !

فتحَ العلبة على عجل ، و حينَ رأى الساعةَ أمعنَ النظرَ إليها و ابتسامته تتسع ، ثم نظرَ إليّ و قال بهدوء :

- إنها براقة جداً ، و جميلة جداً .. قد أعجبتني كثيراً يا ( كريستينا ) ، شكراً .

سعدتُ لسماعي ذلك ، و سعدتُ لرؤيةِ الفرح في عينيه .. و قلتُ مشجعة :

- ضعها على يدكَ إذاً .
- حسناً .

و وضعها على معصمه ، و نظرَ إليها بسعادة .. ثمّ نظرَ إلي قائلاً :

- شكراً يا عزيزتي .
- هناك ساعةٌ أخرى لشقيقك ، أما الباقي فلشقيقتك .
- سيفرحانِ كثيراً بها .

بهتت ابتسامتي قليلاً حينَ فكرتُ في إخبارِ ( كارلوس ) بما استجدّ بيني و بينَ ( إدوارد ) .. و بدأ قلبي يخفق ارتباكاً .. إنه من الصعب جداً أن أتحدثَ في الموضوع !

لاحظني ( كارلوس ) ، و بانَ الاهتمام على ملامحهِ و هو يقول لي :

- ما الأمر ؟.. ماذا أصابكِ فجأةً يا ( كريستي ) ؟!

قلتُ و أنا أنظرُ إليهِ بحزن :

- سأتطلقُ من ( إدوارد ) غداً .

صمتَ و هو يحدق فيّ ، فانزلتُ عيناي حيثُ يدي المتشابكتين ، و قد تجمعت الدموع بأحداقي .

قالَ ( كارلوس ) و هو يربت على كتفي :

- لا بأس .. هوني عليكِ .

تساقطت دموعي ، فرفعتُ رأسي لآخذَ نفساً عميقاً و أصدرُ زفيراً طويلاً .. ثم قلتُ و أنا أمسح دموعي :

- لستُ نادمةً لاتخاذي هذا القرارِ الآن و لكني .. متألمة .

مدّ يدهُ إلى يدي و أخذها في قبضته قائلاً :

- أفهم ذلك .. هل قررّ الزواج من حبيبته ؟

نظرتُ إليه و قلت :

- سيتزوجُ عاجلاً أو آجلاً .. لكني لا أستطيعُ الاحتمال أكثرَ بجواره ، و لن أتحملَ البقاءَ إلى حينِ تركهُ هوَ لي !.. لنْ أسمحَ له برميي بعدَ أنْ يعلنَ عن انتهاءِ دوري لديه .
- قد يكون الأمر صعباً لكن .. فعلتِ ما هو أفضل .

أنزلتُ عينيّ التي دمعتا من جديد ، و قلت مستأنفة :

- لقدَ رفضَ ( إدوارد ) رغبتي في البداية .. لكنه وافقَ بعدَ إصراري .. كان يريد مني البقاء إلى حينِ زواجه من ( جوليا ) .

قال ( كارلوس ) مهوناً :

- سيمرّ الأمر .. و ستستعيدينَ حياتكِ السعيدة من جديد صدقيني .

لزمتُ الصمت ، و استرجعتُ الأيام التي أمضيتها معَ ( إدوارد ) منذ بدايتها حتى الآن .. كانَ لقاءنا جميلاً ، و البدايةُ معه كالحلم ..

قلتُ و أنا أشعر بالإختناقِ :

- ليتهُ لم يقتطف مني عمراً يا ( كارلوس ) .. سأفتقد الكثيرَ من الأشياء بعده .. كل شيءٍ سيتغير .
- كل الأشياء لا تدوم .. حتى هو و ماله .

ثمّ قال بنفادِ صبر :

- آه ( كريستينا ) ؟!.. هل تبكينَ على حياةِ القهرِ الذي كنتِ تعيشينها معه ؟!

ابتسمتُ بمضضٍ و قلت :

- لا .. لكن ، أشعر بالتِّيه ، و كأنني سأُتْرَكُ للضياع .. عليّ الآن أن أبدأ حياةً جديدة !
- سنبنيها معاً .. إن كنتِ لا تمانعين .

رفعتُ عينيّ إلى عينيه .. و كأني لم استوعب تماماً ما يقصد .

فجأةً سمعتُ صوتاً يناديني :

- ( كريستينا ) ؟!

التفتَ كلانا إلى حيثُ جاءنا الصوت .. فإذا بي أرى ( إدوارد ) ..!

كانَ واقفً بعيداً بعضَ الشي .. حينَ نظرنا إليه قال لي :

- تعاليّ إليّ .

شعرتُ بالقلق ، و تمسكتُ بكف ( كارلوس ) التي كانت تشد على كفي .. نظرَ إليّ ( كارلوس ) سائلاً :

- هذا زوجكِ ؟!

هززتُ رأسي بالإيجاب و أنا مازلتُ أنظر لـ ( إدوارد ) .. ثم تركتُ يدَ ( كارلوس ) و وقفتُ قائلة :

- سأذهب لأراه .

و سرتُ بهدوءٍ إليه ، و هو لا يزال واقفاً يحدق بي و هو قاطب الجبين .. توقفتُ أمامه و قلت بارتباك :

- ماذا يا ( إدوارد ) ؟.. كيفَ عرفتَ أني هنا ؟!

قال و الإنزعاجُ بادٍ عليه :

- أثارني الفضول نحو صديقكِ هذا .. فارسلتُ أحداً يتقصاكِ لأجدكِ و إياه .

عقدتُ حاجباي .. حيثُ أنه لم يرُقنِي ما سمعته
، بينما قال :

- أهذا البائسُ صديقكِ ؟.. أتراه هوَ من حرضكِ على تركي عاجلاً يا ( كريستينا ) ؟!

قلتُ بنبرةٍ حادة :

- أبداً ، بل شئتُ ذلكَ بإرادتي .. لأني أعيشُ في جحيمٍ معك !
- لا تناسبكِ حياةَ البؤساءِ يا ( كريستينا ) ، مكانكِ المناسب في منزلي .. معي أنا !

قلتُ بقهر :

- ستتزوج !.. ثم تنبذني لتجعلني بائسةً حقاً و تعيسة !
- لا أعرفُ حتى الآن متى سأتزوج من ( جوليا ) ..

قلتُ مؤكدةً و أنا أرفعُ حاجباي :

- لكنكَ ستتزوجها !..
- ستكونينَ بخيرٍ معي حتى ذلكَ الحين .

هززتُ رأسي بالنفي ، و قلت بمرارة :

- قد هشمتَ قلبي منذ الليلةِ الأولى .. البقاء معكَ صعبٌ و لا يطاق .. فلا تتخيل أنّ حياتي رهينةً بك .

صمتَ و هو يحدق في عيني .. فقلت :

- مازلتَ على وعدكَ لي !.. غداً سنتطلق .. و ستعطيني تعويضاً !..

ما زال صامتاً و هو يحدق في عيني بغضب ، فقلت :

- وداعاً .

استدرتُ عنه فورَ قولي وداعاً خشيةً من تساقط دموعي أمامه .. يجب أن لا يشعرَ بانكساري ، سأواجهَ الحياة بدونه .. سأبنيها من جديدٍ دونَ أن ينتهزَ حاجتي أحد .. كنتُ فرحةً لأجلِ المال و الهناء .. لكني فهمتُ أن المال لا يكفي حينَ تكونُ وحيداً ..
إنكَ لا تستمتع ، و لا يطيبُ لكَ شيئ دونَ الحياة معَ شخصٍ يهتم بك .

وقفتُ عندَ ( كارلوس ) و أمسكتُ بكفه .. قال لي :

- ماذا يريد ؟
- يريدُ دفني من جديد .. لكنني قررتُ الحياةَ معك .

ابتسمَ ( كارلوس ) .. و قال بسعادة :

- إذاً .. لن تمتنعي عن الزواجِ بي !؟

هززتُ رأسي و ابتسامةٌ صغيرة على شفتي .. و قلت :

- لا ..

عانقني بقوةٍ و هو يضحك .. فضحكتُ أنا الأخرى و قد أحسستُ بالإنشراح .
سنمضي معاً ، و سأواري ذاكَ الجزء خلفَ السعادةِ التي أبحث عنها .. و أنا على يقينٍ أني وجدتها معَ الشخص المناسب ..


 
 توقيع :








رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

مركز تحميل Top4toP


الامتدادات المسموحة: PMB | JPG | JPEG | GIF | PNG | ZIP

الساعة الآن 08:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging v3.1.0 (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.