11-13-2018, 02:17 PM | #39 | |
|
•• الجزء الأول ••��
الوقت مساء ، و الفصل شتاء .. و أنا أحاول تدفئة جسدي مشياً في هذه الغرفة البائسة .. رائحة القهوة عمت المكان ، شربت كوباً و حضرت آخر .. أفرك يديّ و أنا أنتفض .. السماء أثلجت يوماً كاملاً .. و الأرض غصت بالبياض .. كل شيءٍ موحش في الخارج ، و كذلك في غرفتي التي باتت الإنارة سيئةً فيها .. كتبي متناثرة على الأرض ، بعضاً منها على طاولتي .. عدت منذ ساعاتٍ من الجامعة و أخذت حماماً ساخناً .. و نمت ساعةً و استفقت .. ستحين ساعة عملي و أنا لم انهي واجباتي الجامعية ! أشعر بالازدحام و ضيق الوقت ، فمن الصعب أن توفق بين عملك و دراستك .. لكنها الحاجة ! أنا هنا بمفردي في هذا المكان ، أعتمد على نفسي لأجل العيش و الدراسة .. أشعر بالأيام تركض .. و معها تزداد متاعبي .. تمنيت لو أني أملك المال الكافي دون اللجوء للعمل الآن ! ارتشفت آخر قطرةٍ في الكوب ، و لففت وشاحي على عنقي و حملت حقيبتي و غادرت السكن . كان الطريق صعباً و الثلج يغطي كل شيء ! تعطل الطريق و عمّ الازدحام .. و كان الطريق للمطعم الذي أعمل فيه يضج بالسائقين العالقين و العابرين .. يا ألهي سأتأخر ! بصعوبةٍ وصلت إلى المطعم ، و فوق ذلك .. وصلت متأخرة . فتحت الباب و دخلت ، كان المكان دافئاً مقارنةً بالخارج . ذهبت إلى المدير فوراً لأعتذر .. فقد تأخرت مدةً تزيد على النصفِ ساعة ! وقفت أمامه و أنا ألهث من التعب : - هاقد جئت .. و أعتذر لتأخري . نظر إليّ بعينيه الغاضبتين و قال بصوتٍ عالٍ : - أينَ كنتِ ؟!.. هل تعرفين كم الساعة الآن ؟ قلتُ و قد دبّ الخوف بداخلي .. رغم تنبؤي بغضبه : - ذلكَ كان خارجاً عن إرادتي ، فالطريق تعطل بسببِ .. قاطعني ، لم أستطع الاستمرار في التبرير .. - كان عليكِ الخروج مسبقاً لتصلي مبكراً . صمتت و أنا أنزل عيني إلى الأرض ، فقال بنبرةِ تهديد - تغضبيني دائماً يا ( كريستينا ) ، إن تكرر ذلك فلن يكون لديكِ عملٌ عندي .. و سأرميكِ خارجاً . أحسستُ بشعورٍ سيء ، هذه المرة الثانية التي أتأخر فيها ، و قبلها قد تسببت في كسرِ أربعةِ من زجاجاتِ الشراب الغالية الثمن ! .. لا أريد أن أخسرَ وظيفتي هذه ، لا أريد أن أتوه من جديد أو أن أعود أدراجي دون دراسةٍ و لا عمل . صاح بي : - أغربي الآن لعملك . استدرتُ عنه خجلةً و متألمة .. و قد كان ذلكَ بادٍ على وجهي .. ذهبت عند الاستقبال ، فقالت لي زميلتي ( غلوريا ) مواسية : - لا تأبهي كثيراً ، و الآن اذهبي و انظري ذلكَ الرجل على الطاولةِ رقم عشرة . - حسناً . ذهبت حيث أمرتني ، و أخذت طلبَ الزبون و أنا قاطبةُ الجبين ، و بقيت طيلةَ ساعات عملي حادةَ المزاج .. أريد أن أنهي عملي و أغادرُ فوراً إلى فراشي .. علّني أحظى بقليلٍ من الراحة . مضى الوقت أخيراً و صارت الساعة الواحدة .. غادرَ غالبية الناس المطعم ، عدى واحداً . بدأنا بترتيب المكان و تنظيفه ، و حينَ انتهينا .. همست لي ( غلوريا ) و هي تنظر إلى الرجل : - اطلبي منه المغادرة ، سنغلق الآن ! نظرت إليه من بعيد ، يبدو في الأربعين من عمره .. خالط البياض شعره ، ساكن الملامح .. يجلس في هدوءٍ شديد ، و بيده سيجارة . اقتربت منه و وقفت عنده قائلة بلطف : - سيدي !.. سنقفل المطعم الآن . رفعَ بصره إلي ، و استقرت عيناه الزرقاوتين عند عيني .. نظر إليّ ملياً .. ثم قال بهدوء : - سأنتظركِ خارجاً . و همّ بالنهوض .. تعجبتُ من قوله !.. حسبتني لم أسمعه جيداً فقلت بتركيزٍ أكثر : - عفواً ؟! نظر إليّ و أعاد قوله : - سأنتظركِ خارجاً . و ابتعد .. و وقفت بتعجبي للحظة ، ترى ماذا يريد مني ؟! ========= أغلقنا المطعم و غادرناه ، و توقفنا جميعاً حينَ وجدنا الرجل واقفاً ينظر الثلج المتساقط من السماء . تحرك كل زملائي مبتعدين .. إلا أنا . استدار إلي ، فاقتربت منه قائلةً بفضول : - هل لي أنْ أعرف ماذا تريد ؟! لم يتكلم سريعاً ، كان يحملق في وجهي و كأنه يفكر .. ثم بدأ الكلام : - قد تستغربينَ طلبي أيتها الفتاة ، لكني وجدتكِ الفتاة المناسبة .. اتسعت عيناي ، الفتاة المناسبة ؟!.. لأي شيء !؟ بينما تابع : - ما اسمك ؟ - ( كريستينا ) .. لكن ، لأي شيءٍ يمكن أن أكونَ مناسبة ؟.. و أضفت ضاحكة : - هل هناك عملٌ ما ؟ - تتمنينَ ذلك ؟!.. صمتت و قد شعرت بالإحراج ، ثم قلت بصوتٍ منخفض : - كنتُ أتساءل فقط ! - أريد الزواج بكِ . اتسعت عيناي من جديد دهشةً .. و قلت غير مصدقة : - الزواج بي ؟! - نعم . ضحكت بسخرية ، و نظرت إليه ملياً دونَ أن استوعبَ جديتهُ في الأمر .. فسألني بذات الهدوء - كم عمرك ؟ - مازلتُ طالبةً في الجامعة . - جيد .. يبدو عليكِ ذلك . اعتدلتُ في وقفتي و سألته بجديةٍ أكثر : - أصدقني القول ، ماذا تريد مني ؟ ابتسمَ ابتسامةً وقورة و قال - الزواج و حسب ، و سأهديكِ الحياة الكريمة . علاني السكون فجأةً ، الحياة الكريمة ! أتراه لاحظَ معاناتي و غضبي ؟.. أم سمعَ ذاكَ المتزمت و هو يصرخ بي ؟!.. تمعنتُ إليه جيداً ، يبدو ثرياً من ثيابه و معطفة .. و من جودة السيجارة التي كان ينفث دخانها منذ قليل .. لكن لما يرغب بالزواج مني ؟! قطعَ أفكاري ، و قال معرفاً عن نفسه و كأنه فهمَ تساؤلاتي : - اسمي ( إدوارد ) ، أعمل طبيباً جراحاً و أملك عياداتي الخاصة ، أبلغ من العمر خمساً و أربعين .. لم أتزوج من قبل ، لسبب انخراطي في عملي ، و لسببِ أني لم أجد الفتاة المناسبة . قد أثارني هذا الرجل !.. إنه كبيرٌ جداً مقارنةً بي ! رغمَ وسامته و قامته ، و هو طبيب !.. ذلكَ يبدو .. مناسباً لي ، فكم تمنيت أن أحظى بالمال الكافي بدل العناء و العمل في مثل هذا المكان . لاحظَ صمتي و تفكيري ، فقال : - لا تقلقي بشأن دراستك ، ستتابعين الدراسة حتى التخرج ، سأساندك . قلت بتساؤل : - لماذا أنا دونَ غيري ؟.. أعني .. رجلٌ ثري كما هو واضحٌ عليك .. لما لا يتزوج من فتاةٍ من طبقته ؟! - أحبُّ الفتياتِ العفويات .. اللاتي لا يهتممنَ بالعلامات التجارية و الحفلاتِ و التسوق .. مظهركِ لا يدل على ذلك ، لا تبدينَ من ذلك النوع . و أضاف و هو ينظر إلى عيني : - كما أنَّ لكِ وجهٌ جميل . اكتسحني بعبارته الأخيرة فخجلت .. و أنزلت عيني دونَ أن أعقب .. فقال : - ماذا قلتِ ؟ رفعتُ عيني إليه ، و همست : - احتاج للتفكير . أخذَ نفساً و قال : - لكِ ذلك ، سأكون بانتظار جوابكِ . و أخرجَ بطاقةً من جيب معطفه و أعطاني إياه قائلاً : - سأنتظر اتصالكِ ، رقمي الخاص هنا ، و كذلكَ رقمي في العيادة .. و قال مشدداً : - أنا .. أنتظركِ . التقطتُ البطاقةَ منه ، فاستدار عني و ذهب إلى سيارته الفارهة و غادر . تمعنت في البطاقة ، و نظرت لما كتب ، و إلى أرقامه .. ثم ابتسمت ، و فكرتُ في داخلي .. يبدو أنّ الحظَ ابتسمَ إلي .. •• الجزء الثاني ••�� كنتُ خارجةً من الجامعة في الساعةِ الرابعة عصراً ، و لأول مرة لا أشعر بالإجهاد !.. و لا أحمل هماً لعملِ المساء ! و كأني أملك الوقتَ كله .. رغم ذلك ، حاولتُ الإسراع للعودة إلى سكني قبل أن تتجاوز الساعة الرابعة و النصف .. فتحت باب غرفتي .. و وضعت كتبي و حقيبتي على طاولتي ، ثم غادرتُ إلى المطبخ لأصنعَ كوب قهوةٍ أدفئ به جوفي .. قبل أن يغلي الماء ، عدتُ إلى غرفتي .. و وقفتُ عند طاولتي و التقطت تلك البطاقة التي أعطانيها الطبيب ( أدوارد ) .. و حملقتُ في رقم هاتفه الشخصي ، ثم إلى رقم هاتف العيادة .. قد اتخذتُ قراري و لكن ، أشعر بالتردد ! سيتغير كل شيء !.. ستتغير حياتي إلى الأبد بعد أن أجري هذه المكالمة ، سأكون .... ثرية ! سأنعم بالحياة دونَ حاجةٍ للكفاح ، دون الكثير من الشقاء .. لا شيء أجمل من ذلك ! أخذتُ نفساً و جلستُ على فراشي ، أمسكت بهاتفي و طلبت رقمه .. بدأ الرنين ، و بدأت دقات قلبي تنتفض !.. بعدَ ثوانٍ قليلة جاءني صوته : - ألو !.. قلتُ و الربكة تغلبني ..: - مرحباً ، دكتور ( إدوارد ) ؟ - نعم !.. قلتُ محاولةً التعريف بنفسي : - أنا ( كريستينا ) .. الفتاة التي تحدثتَ معها عند المطعم . أجاب و قد لطفَ صوته : - كنتُ أنتظركِ . ابتسمت .. ثم قلت : - أرجو أني لم أطل عليك !؟ - لا يهم ، أخبريني فقط .. هل تتزوجيني ؟ ضحكت من تعجله ، و قلت : - نعم ، سأتزوج بك . - شكراً يا ( كريستي ) ، ممتنٌ حقاً .. سأعود لمهاتفتك في وقتٍ لاحق ، لدي عملٌ الآن .. أو أنه يمكنني رؤيتكِ في عملك هذا المساء ؟ أجبته باستغراب : - هل تريد مني العودة إلى العمل في المطعم ؟.. سأعود لأبلغهم عدم رغبتي في العمل . أصدرَ ضحكةً قصيرة ، ثم قال : - ذلكَ أفضل ، إلى اللقاء الآن . - إلى اللقاء . أغلقت الهاتف و السعادة تغمرني .. ثم نهضت لاستكملَ اعداد القهوة .. و حينَ اعددتها عدت لغرفتي . انهمكت في واجباتي .. و لم أشعر بالوقت الذي مضى سريعاً ! حين انتهيت كانت الشمس قد غربت .. غالبني النعاس حينها ، فقررت أن آخذ حماماً دافئاً و الخلود للنوم .. استحممت و انتهيت ، و عدت لغرفتي ارتجف ، نظرت للخارج من خلال النافذة فإذا بالسماء تنثر ثلجها .. ضممت ذراعي إلى صدري و مشيت إلى فراشي ، اندسستُ تحتَ الغطاء ، و ما إن غمرني الدفء حتى أغمضت عيناي .. ======== فتحتُ عيناي على رنين الهاتف ، و خطرَ ببالي ( إدوارد ) !.. فمددتُ يدي و التقطتُ هاتفي و جلستُ لأجيب : - ألو .. - مرحباً يا ( كريستي ) ابتسمتُ و أنا أجيبه : - أهلاً بك .. هل أنهيتَ عملك ؟ - نعم ، هل تناولتي العشاء ؟ - لا .. ليسَ بعد ، كم الساعة الآن ؟ - إنها التاسعةَ و الربع .. كنتِ نائمة صحيح ؟ ضحكت بخجلٍ و قلت : - صحيح .. - أنا في طريقي إلى مكان عملك ، تعالي لنتناول العشاء .. و نتحدث . قلتُ مفكرة : - قد أتأخر !.. فالثلج يتساقط ! - سأنتظركِ على أي حال . - حسناً .. سآتي فوراً . ======= لم يكن الطريق مزدحماً و لا عالقاً من حسن الحظ ، و الثلج قد توقف عن التساقط .. فمضيتُ في طريقي بسرعةٍ و اطمئنان . وصلت أخيراً .. دخلتُ إلى الداخل .. و فور دخولي التقت عيناي بعيني ( غلوريا ) .. فتوقفت و أنا أنظر إليها .. كذلكَ هي حدقت بي ، ثم اقتربت مني .. جاءت إليّ و وقفت قبالتي قائلة : - حقاً ستتزوجينَ يا ( كريستينا ) ؟.. هل ستتركين العمل هنا ؟ - - قلت بتعجب : - من أخبركِ بذلك !؟ قالت و هي تلتفت : - ذلكَ الرجل .. و قد أخبرَ المدير بذلك . نظرتُ حيثُ تنظر .. فوجدتُ ( إدوارد ) . ابتسمتُ حينَ رأيته .. بينما نظرت إليّ ( غلوريا ) و قالت بعينينٍ متسعتين : - ويحكِ !.. ستتزوجينَ من ذاك العجوز ؟! انزعجت من قولها ، و قلت و أنا أعقد حاجبي بعصبية : - ليسَ عجوزاً ، أنظري إلى قامته المستقيمة .. إنه بصحةٍ أفضلَ مني و منكِ ! ضحكت ( غلوريا ) و قالت تسألني بسخرية : - هل تحبينه ؟! ضحكت و أجبتها : - من يدري ، ربما أحبه ! - هنيئاً لكِ يا عزيزتي . - شكراً ، بالإذن . و مشيت إلى الطاولةِ التي كان يجلس عليها ( إدوارد ) .. و وقفت عنده لمصافحته قائلة : - أهلاً ، هاقد جئت . نظرَ إليّ مبتسماً و وقفَ لمعانقتي و هو يقول : - أهلاً بزوجتي . توردت وجنتي في بادئ الأمر .. ثم بادلته العناق .. بعدها طلبَ مني القعود على الكرسي المقابل لكرسيه . جلست .. فقال و الابتسامة لا تزال تزين وجهه : - لم تتأخري كثيراً ، لو كنت أعلم لانتظرتكِ قبل أن اختار العشاء . - لا يهم .. كيفَ حالك ؟ - بخير ، ماذا عنكِ ؟ - جيدة ، و سعيدة .. اتسعت ابتسامته و قال : - ذلكَ يسرني .. سرعان ما جاء طعام العشاء ، فبدأنا بتناوله .. و بينما نحن كذلك .. قال لي ( إدوارد ) : - لقد أخذت إجازةً هذا الأسبوع ، سنبدأ من الغد .. حتى نبدأ مراسيم الزواج في أقرب وقتٍ ممكن .. نظرتُ إلى عينيه ، و قلت : - حسناً ، لما لا يكون الزواج بعد الشتاء ؟.. ستكون مراسيم الزفاف أجمل في الربيع . رفعَ عينيه عن طبقه إلي .. ثم قال بعد أن انتهى من مضغ ما في فمه : - بل سأعمل جاهداً لأن يكون هذا الأسبوع .. أريد الزواج في أقربِ وقتٍ ممكن . لم أفهم سرّ رغبته الشديدة في استعجاله الزواج .. و ظللت أحدق في عينيه مفكره ، و لعله لاحظ شرودي !.. فتنهد و قال : - لا أريد أن أفوتَ وقتاً أكثر .. هل تفهميني يا عزيزتي ؟ ابتسمت و قلت : - حسناً . بادلني الابتسامة .. و قال و هو يضع بعض قطعِ اللحم في طبقي : - سيدهشكِ منزلي ، سأحاول أن أوفر كل ما يلزمكِ .. حتى تأتي و تستأنسي فقط .. ثم نظر إليّ و قال : - لا تحضري معكِ سوى كتب الجامعة ، و سآخذكِ غداً للتسوق .. خذي الثياب ، و كل ما يلزمكِ ، و لا تقصري في شيء ! ابتسمت و قلت : - أنتَ شديد الكرم . قال و هو يبتسم و يحدق في عيني : - زوجتي تستحق .. •• الجزء الثالث ••�� مرّ كل شيء كلمح البصر ، و وجدتُ نفسي بعدَ يومينِ بفستاني الأبيض .. كنتُ أنظر لانعكاس صورتي في المرآة بإعجاب .. كل شيءٍ مثاليٌ و فخم .. لم أتخيل أبداً أن أكونَ بهذا القدر من الأناقة .. و ما تخيلت أن حفلةَ زفافي ستكون يوماً في فندقٍ فخم .. كنتُ أقف بالقرب من ( إدوارد ) في الحفل .. سألني بصوتٍ منخفض أقرب منه للهمس : - هل أعجبكِ المكان ؟ ابتسمت و أنا أجيبه : - بل أبهرني !.. كل شيءٍ يوحي بالفخامة ، لكن لم أتوقع أن تقيم الحفل هنا ! - لا بأس ذلكَ يلائمني ، هذا الفندق مُلْكي .. و أسعدني أنه حاز على إعجابك . اتسعت عيناي و أنا أنظر إليه .. و قلت باندهاش : - حقاً !؟ - نعم . فابتسم و قال و عيناه تنظر في عيني : - أنتِ أكثر بهاءً من القمر يا ( كريستي ) ، جمالكِ مثالي ، تألقتي هذه الليلة .. و إني أخشى عليكِ من عيون الزائغين . أنكست رأسي خجلاً و أنا ابتسم .. فقال و هو يضع يده عند خصري : - ابقي قريبةً مني . و قرّبني إليه ، فبقيت ملتصقةً به طول الحفل ، و يده لم تفارقني ، يشد بيدي حيناً و حيناً يحيطني بذراعه .. نظرت إليه بإعجاب ، في الحقيقة هو وسيمٌ أيضاً جداً هذه الليلة .. و قد ظهرت شخصيته اللطيفه في تعامله مع أصدقاءه .. مما زاد إعجابي به .. حضر الكثير من الاصدقاء و المدعوين ، قد أدركت أني محاطةٌ بالكثير من الناس .. نساءٌ و رجال .. يهنئون ( إدوارد ) و يهنئوني .. رافقتنا طول الحفلة مجموعة الأصدقاء المقربين من ( إدوارد ) كما فهمت .. بالتقريب ، هم امرأتين و أربعة رجال .. و قد أربكتني احداهما ..! إذ كانت صامتةً للغاية ، جميلة ، باردة الملامح و النظرات .. و كانت تحدق بي طول الوقت .. غادرت سريعاً و ذلكَ اراحني .. فلم أشعر بالارتياح بوجودها و لا لها ! أما الباقين فكانوا في قمة اللطافة ، و قد احببتهم كثيراً .. انتهت الحفلة أخيراً عند الحادية عشر .. بدأ الناس بالانسحاب رويداً رويداً .. و أخيراً ، ركبت مع ( إدوارد ) في سيارتنا و ذهبنا لِعُشّنَا .. ========= وصلنا إلى منزلنا ، كان مدهشاً حقاً كما أخبرني ( إدوارد ) .. لم انتبه كثيراً لتفاصيله لذهابنا إلى غرفتنا ، كانت غرفتنا هادئة و أنيقة .. توقفت عند الباب للحظاتٍ أتأملها .. فسألني ( إدوارد ) : - هل أعجبتكِ ؟ نظرت إليه و الابتسامة على وجهي : - كثيراً ، إنها رائعة ! وضع يده على كتفي و قال : - تفضلي إذاً . دخلنا سوياً .. جلسنا على الأريكة و قلت له بامتنان : - أشكركَ كثيراً على هذه الليلة .. كان الحفل رائعاً جداً .. و سرني التعرف على أصدقائك . ابتسم هو الآخر : - هل أحببتهم ؟ - كثيراً . - حسناً ، يجب أن تستبدلي ثيابكِ الآن و ترتاحي .. لا شك أنكِ متعبة ، غداً ستذهبين إلى الجامعة . اتسعت عيناي و قلت باستنكار : - آه ( إدوارد ) !.. لن أذهب إلى الجامعةِ لمدةِ أسبوع .. قد أبلغتهم بزواجي و سمحوا لي بإجازة . صمت و هو ينظر إلي .. بينما أضفت ضاحكة : - و ربما تروقني الاجازة .. فـ .. قاطعني بحدة : - لن توقفي دراستكِ يا ( كريستي ) ! تفاجأت من حدته ، فصمتت و أنا أحدق في عينيه الزرقاوتين في دهشة .. فقال آمراً و هو لا يزال يقطب جبينه : - يومانِ فقط .. و تعودين للجامعة ، أنا كذلك سأعود لعملي بعد يومين . أحسست بالتوتر قليلاً .. أنكست رأسي و بعدها قلتُ بهدوءٍ و عيناي في الأرض : - كنتُ أمزح .. لكن .. و أضفت قائلةً بإصرار : - سأبقى أسبوعاً كاملاً .. لن أعود قبل أسبوعٍ للجامعة . مازلتُ أبعد وجهي و عيني عنه ، فلم أحب أن أنظر لعينيه الحادتين ، و لا أعرف ما كان وقعُ كلامي العاصي عليه ! لكنني لم أسمع جواباً منه .. حتى وقف ..! - تصبحين على خير . نظرت إليه و عيني متسعتين استغراباً !.. و سألته : - إلى أين !؟ أجاب و هو ماضٍ إلى خارج الغرفة : - إلى مكتبي . - هل آتي معك ؟ التفتَ إليّ و هو يمسك بمقبض الباب و قال بوجهٍ و صوتٍ باردين : - نامي يا عزيزتي .. قال ذلك و غادر .. و جعلَ الدموع تنحدر من عيني .. قهراً و ألماً ..! ما تخيلتُ أن تمضي ليلتنا على هذا النحو !.. هل هكذا تمضي العروس ليلتها ؟.. أ تتركُ وحيدة و قد انتصفَ عليها الليل ؟!.. تذهب عني إلى أين !؟.. ما هذا الجانب منك يا ( إدوارد ) .. ؟!.. قد كسرتَ قلبي .. شعرت أنّ هذه الغرفة برحابتها ضاقت بي ، شعرت بالحرارةِ في جسدي كله ! هل يعقل ، ألسنا في الشتاء و السماء تثلج ؟.. لكني احترق .. وضعت كفي على وجهي .. و بكيت .. ======== فتحتُ عيناي في الصباح الباكر .. و نظرتُ إلى الوسادة التي بجانبي .. يبدو أن ( إدوارد ) لم يعد إلى هذه الغرفةِ البارحة ! شعرتُ بالكدر .. و التفتُ إلى النافذة ، كانت أشعة الشمس الذهبية ظاهرةً قليلاً من خلف الغيوم .. تذكرتُ فجأةً كلامه عن الجامعة ، لما كان يريد مني الذهاب إلى الجامعة ؟ أيعقل أني أغضبته لذلكَ عاقبني بتركي وحيدةً ليلةَ البارحة !؟ آه ( إدوارد ) .. أنتَ رجلٌ صعب ، و سيتوجب عليّ أن أكونَ أكثر ذكاءً حتى أفهمك . نهضتُ من فراشي ، استعددتُ للنزول و مغادرة الغرفة .. و فكرتُ أثناء مغادرتي الغرفة في أينَ عساني ألقى ( إدوارد ) . نزلتُ للأسفل .. و صادفتني إحدى الخادمات .. استوقفتها قائلة : - من فضلك ! استدارت إلي و قالت مبتسمة : - صباح الخير سيدتي . - صباح الخير ، أينَ عساني أجد ( إدوارد ) ؟ - إنه يتناول الفطور في غرفةِ الطعام .. - أينَ .. غرفة الطعام ؟ اتسعت ابتسامتها و هي تقول : - اتبعيني سيدتي .. و مشت و أنا أتبعها .. قادتني إلى حيث غرفة الطعام .. توقفت عند المدخل بينما هي غادرت لعملها .. خطوت بوجلٍ إلى الداخل .. فانتبه إليّ ( إدوارد ) و نظر إلي .. ظللتُ أنظر إليه في صمت .. بينما وقفَ قائلاً متهللاً : - صباح الخير .. أجبت بهدوء : - صباح الخير .. ابتسمَ و اقتربَ مني .. و أنا أنظر إليه في ارتباكٍ و حيرة .. إنه يبتسم .. و يقترب ! هو ليسَ غاضباً مني إذاً .. توقف أمامي و قال و هو يشد على كفي : - تعالي يا عزيزتي لتناول الفطور . لم أقل شيئاً و لكن ارتباكي تلاشى .. و مشيت معه عند الطاولة ، اختار لي مقعداً بجانب مقعده و طلب مني الجلوس .. و جلسَ هو الآخر في مقعده و الابتسامة على وجهه .. سألني : - ماذا تحبين أن تتناولين ؟ قلت دون اكتراث : - أيّ شيء ! هم بوضع الطعام في طبقي ، و قال : - أتمنى أنكِ نمتي جيداً !.. نظرت إليه .. و بداخلي الكثير من التساؤلات .. كيفَ يسألني هذا السؤال و قد تركني بمفردي و هو قاطب الجبين !؟ لم أجبه ، فسألني : - تشربين العصير ؟ قلتُ و أنا أنظر إلى عينيه : - لا يهم .. لما تركتني وحيدةً البارحة ؟.. و لما كنتَ متضايقاً ؟ وضعَ كأس العصير أمامي ثم نظر إليّ و قال : - أنتِ تريدينَ ذلك . رفعتُ حاجباي بدهشة ، و قلت ناكرة : - متى قلتُ ذلك ؟! - حينَ تتخذينَ قراراتكِ بنفسك ، فأنتِ تريدين ذلك ! صمتتُ لوهلة .. ثم قلتُ غير مصدقة : - بسببِ الجامعة !؟ - ليسَ بالضبط .. لكن .. يجب أن نتخذ قراراتِ بعضنا سوياً . قلتُ بنبرةٍ حزينة و قد تحاملتُ عليه : - لم أجادلكَ بشأن إجازتكَ و عملك . ابتسمَ و قال : - و أنا يا عزيزتي لم أجادلكِ ، لكن لهجتكِ العنيدة استفزتني . قلتُ أسأله بلطف : - هل أنتَ غاضبٌ مني بسبب ذلك ؟ مدّ يده و شد على أصابعي و قال بلطفٍ بالغ : - لم أغضب أبداً يا جميلتي .. هيا تناولي الطعام الآن ، أريد أن أمضي معكِ نهاراً جميلاً هذا اليوم .. الجو صحو و قد لا يكون كذلكَ في اليومين التاليين .. لنستمتع بيومنا هذا . ابتسمت و قلت : - حسناً يا عزيزي .. ========= في التاسعة غادرنا المنزل .. تجولنا و تسوقنا و استمتعنا بوقتنا .. كان الثلج يملأ المكان ، و الشمس عكست أشعتها الدافئة على البياض .. كان الجو رائعاً و كل شيءٍ ينضح بالجمال . بينما كنا نسير و نحن نحتسي قهوتنا الدافئة .. رن هاتف ( إدوارد ) ، توقفنا .. و أخرج هاتفه و نظر إليه ، ثم قال - إنه ( جيمس ) و أجاب : - مرحباً ( جيمس ) ! ( جيمس ) هذا أحد الأصدقاء المقربين من ( إدوارد ) .. و هو شخص لطيفٌ للغاية ، تحدث معه قليلاً على الهاتف .. و بعد أن أنهى المكالمةَ نظرَ إلي و قال : - إنه ( جيمس ) .. يريد دعوتنا على طعام الغداء في منزله . - اليوم ؟ - نعم .. كم الساعة الآن ؟ نظرت إلى ساعةِ يدي ، كانت تشير إلى العاشرة و الربع .. - إنها العاشرة و الربع . - حسناً إذاً ، ما رأيك أن نعود إلى المنزل الآن لنستعد للغداء ؟ - نعم لنذهب . و تأبطتُ ذراعه .. و مضينا عائدين للسيارة للعودةِ إلى المنزل . عدنا إلى المنزل ، و قلت لـ ( إدوارد ) و أنا أخلع معطفي : - سآخذ حماماً و استعد .. متى سنذهب لمنزل ( جيمس ) ؟ - في الحادية عشر .. و قال مبتسماً : - لا تتأخري ، أنا أعرف أنّ النساء يستغرقن وقتاً طويلاً في الاستعداد و التزيُّن . ضحكت و قلت : - لن أتأخر .. و صعدت مسرعةً إلى غرفتنا .. أخذتُ حماماً دافئاً و سريعاً .. و بعد ذلك ذهبت إلى غرفةِ الملابس .. أخرجتُ فستاناً وردياً هادئاً و أنيقاً ، كان هذا الفستان من اختيارِ ( إدوارد ) .. ارتديتهُ و نظرتُ نفسي على المرآة ، و ابتسمتُ لاستحسانِ منظري ، فكم بدوتُ رائعةً به . فجأةً تذكرتُ ( إدوارد ) .. هو لم يأتي ليتجهز حتى الآن ! استدرتُ نحو خزاناتِ الملابس .. و كأني .... لم أرَ ثياباً هنا له ! فتحت الخزاناتِ كلها .. و لم أجد لباساً واحداً يخصه .. و لا أي شيء ! توجمت بسببِ ذلك .. و أدركتُ لما غادرني البارحة ، لعله لا يريدُ مشاركتي حياته .. لا يريدني زوجةً حقيقيةً له !.. لكن لماذا ؟.. لماذا تزوجني إذاً !؟.. مالذي يدور في رأسكَ يا ( إدوارد ) !؟ أحسستُ بالقهر و الخيبة ، فأخذتُ نفساً و حاولتُ استجماع رباطة جأشي .. إلا أنّ العصبيةَ دبت بي بدلَ أن أهدأ ! فوجدتُ نفسي مغادرةً للبحثِ عن ( إدوارد ) .. و لم أتعنَّ كثيراً في العثور عليه .. لقد ظهر قبالتي في الممر . توقفتُ فور رؤيته و داخلي يثور .. نظرتُ إليه بوجهٍ عابس ، بينما توقفَ هو .. و نظرَ إليّ بإعجابٍ شديد .. شرّع ذراعيه و هو يقترب نحوي .. و قال معبراً عن إعجابهِ بي : - ما هذا الجمال يا ( كريستي ) ؟!.. و وقفَ قبالتي و هو يضع يديه عند ساعدي و عيناه لا تزالان تتأملاني : - قد منحتي هذا الفستانَ جمالاً أكثر ، تبدينَ كالعارضات ! أنكست رأسي بقهر .. و عضضت على شفتي و أنا لا أزال أعقد حاجبي .. لاحظني أخيراً .. فكفّ عن امتداحي و إبداء الإعجابِ بي .. وضعَ سبابته عند ذقني و رفع رأسي إليه .. فرفعتُ عينيّ لعينيه .. و سألني بهدوء : - ما بالكِ يا عزيزتي ؟!.. لما هذا الوجوم ؟ قلتُ بهدوءٍ غاضب : - لماذا تزوجتني يا ( إدوارد ) ؟! تجمدت تقاسيم وجهه .. و مرت ثوانٍ حتى قال بهدوء : - ماذا أصابكِ .. ؟ قلتُ بانفعال : - أجبني ! قال بذات الهدوء : - لأني أريدُ الزواج .. رفعت حاجباي و قلت : - لماذا تريد الزواج ؟!.. عقد حاجبيه و قد نفدَ صبره أخيراً ، و قال و هو يضع يديه في وسطه : - لأني عثرتُ عليكِ أخيراً .. هل هذا يريحكِ ؟! علا صوتي فجأةً و أنا أقول بنفاد صبر : - هراء !.. أنتَ لا تريد زواجاً حقيقياً !.. جئتَ بي هنا لأبقى مستقلةً عنك في غرفة !.. و أنتَ في غرفة .. أنتَ لا تريدُني لأشارككَ حياتكَ كما تدعي و تقول هذا الصباح .. قاطعني قائلاً و هو يضع اصبعيهِ السبابة و الوسطى عند شفتيه : - صه !.. لا تصرخي !..الخدم في كل مكانٍ و ليسَ من اللائقِ .. أن يصغي الجميع لحديثنا يا ( كريستينا ) . اغرورقت عيناي و لزمت الصمت .. فمد يده نحو شعري و قال بصوتٍ هادئ و قد سكنت تقاسيمه من جديد : - هيا أسرعي و جففي شعركِ جيداً ، ما زال شعركِ بارداً .. ضعي قرطين أيضاً و أحمر شفاه .. و ستكونينَ في صورةٍ مثالية .. هيا حتى لا نتأخر . قلتُ بغضبٍ و دموعي انحدرت على وجنتي : - لن أذهب !.. و استدرت عنه لأعود أدراجي .. لكنه أوقفني حينَ أمسكني من ذراعي .. فتوقفتُ مكاني و أنا أمسح دموعي من وجنتي محاولةً تمالكَ نفسي و التوقف عن البكاء .. أقتربَ مني و قال بلطف : - لا تبكي يا جميلتي ، لا تبكي .. و لا تكسري قلبي و تتركيني مخذولاً هذه اللحظة .. ستأتينَ معي دونَ جدال . نظرتُ إليه بقهر ، أي قلبٍ يحمل في داخلهِ حتى يتجاهل شعوري لهذا الحد ، إنه لا يأبه بألمي أبداً ! قلتُ ساخرة : - هل نذهب لنكملَ مسرحيةَ البارحة ؟!.. و نمثلَ دورَ الزوجينِ المتحابين ؟! انفجرَ ضاحكاً !.. مما أثار غضبي أكثرَ و أكثر .. فصددتُ عنه أنظر بعيداً .. و حينَ انتهى من الضحك .. قالَ يسألني : - لماذا نمثل ؟.. ألسنا منسجمين ؟!.. كنتُ و أنتِ كالعصفورين في الصباح .. إلى أن ذهبتِ غرفتكِ . نظرتُ إليه و قلت : - لأني لا أفهم حقيقة هذا الزواج .. ! - أسرعي الآن يا جميلتي و نتحدث فيما بعد .. هيا . تنهدتُ و الحيرة تقتلني .. و مضيتُ إلى غرفتي و سرحت شعري ، و فعلت كما طلبَ مني ( إدوارد ) ، أرتديتُ قرطين بارزين و وضعت أحمر شفاه و القليل من الزينة .. تطيبت و ارتديتُ معطفاً و خرجت ... •• الجزء الرابع ••🥀 توقفت سيارتنا عند منزل الصديق ( جيمس ) .. نزلنا من السيارة ، فاقتربَ مني ( إدوارد ) و قدّم إلي ذراعه لأتعلق بها !... لكنني رمقته بازدراء ، و مشيت لأسبقه إلى الداخل .. فجأةً شد على ذراعي بقوةٍ فالتفتت إليه بذعر ! أقتربَ مني كثيراً و هو لا يزال يشد على ذراعي التي فهمت من قبضتهِ مدى غضبه .. فقد شعرت بالألم منها !.. قال يهمس في أذني : - إياكِ أن تحرجيني أمام أصدقائي .. و الآن تشبثي بذراعي . تسارعت أنفاسي خوفاً .. فازدردت ريقي و نظرتُ إليهِ بارتباكٍ و خوف ، بينما هو عاد ليقدم إلي ذراعه من جديد ، فسلمتُ الأمر و أحطتُ ذراعه بذراعي .. و سرنا بهدوءٍ جنباً إلى جنب .. في الداخل وجدتُ تلكَ المجموعة من الأصدقاء فقط .. ( جيمس ) صاحب الدعوة ، و ( روبرت ) و ( كريس ) و ( ديفيد ) .. و تلكَ المرأة التي لم أحبها .. ( جوليا ) .. و الصديقة الأخرى ( كاتي ) أصدقاء ( إدوارد ) لطفاء و رائعون .. استمتعت معهم و بحديثهم حتى تناسيتُ غضبي من ( إدوارد ) .. و بينما كنا نتحدث ، سألتُ الجميع : - هل أنتم جميعاً أطباء مثل ( إدوارد ) ؟ قالت ( كاتي ) بفخر : - أنا فقط من تعمل طبيبة ، تخصصي العظام .. أما الباقين فلا . قال ( جيمس ) يسألني : - ماذا عنكِ يا سيدة ( إدوارد ) ؟!.. ماذا تدرسين و ماذا ستصبحين ؟ أجبته : - الهندسة المعمارية .. و مازلتُ في البداية . تكلمت ( جوليا ) الجميلة الباردة أخيراً و سألتني : - كم تبلغينَ من العمر ؟ فاجأني سؤالها !.. فأجبت : - الثالثة و العشرون .. رفعت حاجبيها و بانت تعابير الاستخفاف على وجهها .. إنها تستصغرني !! .. كم أغاظتني .. و لا أدري إن كان وجهي ممتعضاً هذه اللحظة .. لكن ( إدوارد ) أحاطني بذراعه و قربني إليه قائلاً : - إنها شابة جداً .. و جميلة جداً .. رفعتُ رأسي إلى وجهه .. ففاجأني بقبلةٍ طويلةٍ على جبيني ، منحت قلبي الوقت الكافي ليخفق بقوة .. قال ( روبرت ) ضاحكاً : - أنتَ محظوظٌ بها يا ( إدوارد ) .. هل يجب علينا أن نتزوجَ للمرةِ الثانية لنحظى بشابةٍ جميلة ؟ ضحكَنا جميعاً ، فقال ( كريس ) موجهاً قوله لـ ( جيمس ) : - متى سنتناول الغداء يا ( جيمس ) ؟.. بدأت أشعر بالجوع ! قال ( جيمس ) : - هيا بنا لغرفةِ الطعام .. تفضلوا . ======= كان طعام الغداء شهياً و لذيذاً .. و خلال الطعام تحدثَ الأصدقاء كثيراً في ما بينهم ، عن أعمالهم و عن الأسواق و السيارات و غيرها من الأمور .. لم أشاركهم الحديث كثيراً .. و اكتفيت بالأصغاء فقط . بعد الغداء ، ذهبتُ عندَ المرآة في الممر لأتأكدَ من تمامِ زينتي .. بينما كنتُ كذلك .. أقبلتْ ( جوليا ) إلي .. رمقتها بنظرةٍ حينما أحسستُ بها .. و أفسحتُ لها المجال .. فوقفت بجانبي تعبث بشعرها الأشقر . جذبتني رائحة عطرها الأخاذة .. فنظرتُ إليها قائلةً : - عطركِ رائع !.. إنه أخّاذ ! ابتسمت و نظرت إليّ قائلة : - أعجبكِ ؟.. إنه هديةٌ من ( إدوارد ) . سكنت تقاسيم وجهي فجأةً .. بينما أضافت : - قد أهداه لي في عيد ميلادي العام الماضي . ابتسمت من جديدٍ و قلت : - لا عجبَ إذاً في أن يعجبني ، لـ ( إدوارد ) ذوقٌ جميل . استدارت إلي و هي تتساءل : - كيفَ تعرفتما على بعضكما ؟ قلتُ دونَ أن أشبعَ فضولها : - جمعتنا الصدفة !.. عن إذنك . قلتُ ذلكَ و سرتُ عنها ، إنها مربكة و لا أشعر بالطمأنينةِ نحوها أبداً ! عدتُ و انضممتُ للبقية .. و أمضينا وقتاً جميلاً حتى حانت الرابعة . ودعنا ( جيمس ) و الجميع .. و صعدنا سيارتنا . أثناء الطريق سألني ( إدوارد ) و هو يمسك بيدي : - هل استمتعتِ ؟ قلتُ دونَ أن أنظرَ إليه : - نعم كثيراً . ثم نظرتُ إليه و قلت و أنا أعقد حاجباي : - لكن ( جوليا ) .. لم أشعر بالإرتياح لها .. و أعتقد أنها هي الأخرى لم تتقبلني . ثم قلت بانفعال : - أرأيتَ تعابير وجهها حينَ أخبرتها بعمري ؟!.. إنها تستصغرني ! ابتسمَ و قال : - إنها تغار منكِ . ارتفع حاجباي تعجباً و قلت : - تغارُ مني ؟!.. لستُ أفوقها جمالاً و أناقةً .. فلمَ تغار ؟! تنهدَ ( إدوارد ) و قال بهدوءٍ شديدٍ و هو يحدق في الطريق أمامه : - لأنها تحبني .. اتسعت عيناي في دهشة ، و لم أستطع قولَ أي شيءٍ من شدة المفاجأة ، فاستأنفَ قوله بذاتِ الهدوء : - و أنا أحبها .. إنها حبيبتي .. فغرت فاهي من هول ما سمعت !.. حبيبته ؟! صددتُ عنه و وضعتُ يدي عند رأسي ، أشعر أن رأسي سينفجر !.. كم من مفاجأةٍ مخبأةٍ بعد ؟! شعرتُ بالغصةِ و الإختناق ، و كأنني وصلتُ لمرحلةِ الإنهيار ! سألني : - هل أنتِ بخير ؟ التفتُ إليه و الغضب يسعر جوفي ، و قلت بعصبية : - هل تزوجتني لإذلالي ؟!.. لتحرقني كل لحظة ؟!.. إن كانت حبيبتكَ و أنتَ حبيبها !.. فلما لم تتزوجها بدلاً من توريطي بهذا الزواج التعيس ؟! أوقفَ السيارة عندَ جانب الطريق ، و نظرَ إلي قائلاً و هو يعقد حاجبيه غضباً : - أتعتقدينَ أني لم أُرِد ذلك !؟ ، أنا أريد .. لكنها لا تريد ! رأيتُ وجهه يحمر ، و كأن بداخله بركانٌ يُسْعِرُه .. أعاد نظرهُ للأمام و لزم الصمت و أنفاسه تتلاحق . هدأتُ قليلاً ، ثم سألته : - لماذا لا تريد الزواجَ منك ؟ أجابَ ببطء : - لا أدري . عقدتُ حاجباي .. و بدا لي أني كشفتُ سببَ رغبتهِ في الزواج بي .. و قلت بعصبية : - و جعلتني طعماً أليسَ كذلك ؟! نظرَ إليّ .. ثمَ أصدرَ ضحكةً قصيرة و قال : - شعرتُ أنكِ طعمٌ نافع .. أحسستُ بغيرتها حقاً . ثم قال و قد اتسعت ابتسامته : - ربما تعود إليّ و تعلن لي رغبتها بالزواج مني . قلت باشمئزازٍ شديدٍ و استغراب : - بحق السماء !.. ألا تشعر بالعار و أنتَ تقول لي ذلك ! - لماذا !؟.. على العكس أنا أشعر بالانتصار ! عضضت شفتي بقهر ، بينما قال : - في الواقع كلانا رابحين ، إن عَددنا أني نلتُ من ( جوليا ) .. أنا ربحتُ حبيبتي .. و أنتِ ربحتِ الحياة الكريمة التي وعدتكِ بها ! أدركتُ أنه مريض ، و لن يجدي معه الحديث أبداً .. فقلتُ و أنا أدفع بظهري على المقعد : - رجاءً ، خذني إلى المنزل . - تحتَ أمرك . أدار المحرك .. و عدنا إلى منزلنا . صعدتُ إلى غرفتي دونَ النظرَ إليه ، جلستُ معَ نفسي و الألم يعصر قلبي .. كيفَ وقعتُ في هذا الزواج ؟!.. لقد خدعني ( إدوارد ) ! •• الجزء الخامس ••🥀 استيقظتُ باكراً في اليوم التالي ، و رأسي لا يزال مشوشاً من مفاجأةِ الأمس .. قد فهمتُ أني لا يمكن أن أكونَ زوجةَ حقيقيةً لـ ( إدوارد ) ، و أعتقد أنه بعدَ أن أخبرني بسببِ زواجه مني .. فإنه سيتوقف عن التمثيل .. سيتوقف عن الاهتمام بي ، سيتوقف عن إبداء الإعجاب و إظهار الحب .. لاشك أنه يحب ( جوليا ) كثيراً .. لكن كيفَ يحتمل إحراقها إن كان يحبها و هي تحبه حقاً ..!؟ قد تزوجني ، كيفَ يضمنُ عودتها له !.. إنه مجنون . ذهبت إلى الحمام و أخذت حماماً دافئاً .. بعدها ارتديت ثياباً للخروج .. و وقفتُ عند المرآةِ أجفف شعري و أسرحه .. و أنا أفكر في قول ( إدوارد ) .. نعم لقد ربحتُ الحياة الكريمة .. سأعيشها كيفما أشاء الآن ، سأشاركه هذا المنزل كما أحب .. سأخرج و أعود .. دونَ أن يتطفل علي ( إدوارد ) .. سأعيش و أسعد نفسي .. أما هو فليبقى ينتظر حبيبته ( جوليا ) .. حتى إن عادت ، لن أخرجَ من هذا الزواج خاسرة ! بدأت أتوتر هذه اللحظة ، كنتُ أكره ( جوليا ) .. و حينما علمتُ أنها حبيبته بتّ أكرهها أكثر .. لماذا فعلتَ هذا بي يا ( إدوارد ) ؟! فُتحَ باب غرفتي ، فلتفتُّ أنظرُ من الداخل .. فإذا به ( إدوارد ) ! صددتُ عنه و قلت بانزعاج : - ألا تعرف أن تطرقَ الباب !؟ سمعته يقول و هو يتقدم نحوي : - لستُ مضطراً أن أطرقَ باب غرفةِ زوجتي . ضحكت ساخرةً من قوله .. فسألني : - تبدينَ و كأنكِ تستعدين للخروج ! قلتُ و أنا أقفلُ الساعة على معصمي : - نعم .. سأذهب إلى الجامعة . - غاضبةٌ مني ؟ نظرتُ إليه ، و قلت دونَ اهتمام : - كُنت !.. لم أعد مهتمة بكَ الآن . ابتسمَ و قال : - تفكرينَ بشكلٍ جيد . ذهبتُ إلى الخزانةِ و أخرجتُ كتبي .. وضعتهم في الحقيبة ، و جعلت حزامها على كتفي و قلت و أنا أهم بالخروج : - عن إذنك الآن . - ألن تتناولي طعام الفطور ؟! - لا ، بالهناءِ و الشفاء . و ذهبتُ عند الباب ، فقال لي : - سؤصلكِ إن أحببتِ ! نظرتُ إليه و أنا أفتح الباب و قلت : - لا أحب ذلك .. إلى اللقاء . و غادرت الغرفة .. و داخلي يحترق ، لقد أحببتُ ( إدوارد ) .. لكن يجب عليّ أن لا أحبه أكثر ، فهو لم يحبني .. لذلكَ سأهتم بنفسي فقط و اتجاهله . غادرتُ المنزل ، و قررتُ الركوب في سيارةِ أجرة .. و فكرتُ قبل ذلك .. هل أذهب إلى الجامعة ؟.. سيكون مخزٍ أن أعود للدراسةِ في اليوم الثاني من زواجي .. ماذا ستقول صديقاتي عني ؟! ترددت في الذهاب إلى الجامعة ، فعدلتُ عن الذهاب .. و فضلتُ السير على أقدامي في الشوارع ، سأتسلى و أتنزه طالما الجو صحو . مضى الوقت بي دونَ أن أشعر .. تمشيت ، و تناولتُ إفطاري في أحدِ المطاعم .. ثم سرتُ قليلاً أيضاً حتى نالَ مني التعب .. فاستقليتُ سيارةَ أجرةٍ و ذهبتُ إلى المكتبة .. أقتنيت بعض الكتب و الأقلام و الكراسات للجامعة . حينَ صارت الساعة العاشرة و النصف قررتُ العودةَ إلى المنزل . عدتُ إلى المنزل ، و حينَ دخلتُ إلى الداخل ، وجدتُ ( إدوارد ) جالساً يشرب الشاي و يشاهد التلفاز .. نظرَ إلي ، ثم نظرَ إلى الأكياس التي بيدي ، و نظرَ إلى عيني و حاجبيهِ مرتفعان .. و قال : - تسوقتي ؟! ابتسمتُ و قلتُ و أنا أقترب إليه : - نعم ، لم أذهب إلى الجامعة . ثم جلست بجانبه و قلت : - تلزمني سيارةٌ يا ( إدوارد ) . - لا بأس ، هل تقبلينَ بإحدى سيارتيّ ؟.. أم ترغبينَ أن تنتقي سيارةً معينة ؟ - لا بأس .. أعطني إحدى سيارتيك . ابتسم و قال : - لا ، سنذهب هذه الليلة لشراءِ سيارةٍ لكِ .. اختاريها بنفسك . ثم أمسك بيدي و قال بلطفٍ و ابتسامته تتسع : - ستكون هدية زواجنا . ابعدتُ وجهي عنه بانزعاج ، و رددتُ بضيق : - زواجنا !.. أحسستُ بيدهِ تشد على يدي .. نظرتُ إليه ، فقال و هو ينظر في عيني بهدوء : - أعتقد أني سببتُ لكِ الخيبة . أحسستُ بالقهرِ و الألم حينما قال ذلك .. ، قلت بألم و الحزن بادٍ على وجهي : - قد تعمدتَ ذلك ! - أنا آسف . سحبتُ يدي من يده حينَ أحسستُ بالدموع تكاد تفلتُ من عيناي ، و وقفتُ لألتقطَ ما تبضعت و أنا أقول : - لا داعي للتأسف .. و نظرتُ إليه و قد انحدرت دموعي على وجنتي : - لقد أفسدتَ سعادتي قبلَ أنْ أستوعبها حقاً ! و ذهبتُ عنه .. محاولةً مقاومةَ ألمي و حزني .. و التعاسة التي صرتُ فيها .. لا أعرف متى سأعتاد على هذا الوضع .. و متى أتقبل أن أحلامي الوردية واقعها سواد !.. متى أتقبل أن زواجي ما هو إلا أضحوكة ضحكَ علي بها . ======== خرجتُ و ( إدوارد ) في وقتٍ باكرٍ هذا المساء .. ذهبنا لشراء سيارةٍ لي كما وعدني .. غمرتني السعادة حينَ دخلت معرض السيارات ، كان كل شيءٍ يلمع ، كل شيء مبهر باختصار .. احترت في بادئ الأمر أية سيارةٍ سأختار ، لكني اخترتُ السيارة التي أحبببتها في النهاية و دونَ تردد ، سآخذ من ( إدوارد ) ما أستطيع أخذه طالما هو راضٍ بذلك ! بعدها ذهبنا إلى مطعمٍ لنتناول العشاء .. و قد كان ( إدوارد ) هادئاً جداً .. بل كان الصمتُ أقربُ إليه من الهدوء ! نظرتُ إليه محاولةً قراءة أفكاره ، كان ينزل عينيهِ في لحظاتٍ كثيرةٍ و يفكر .. شيءٌ ما يشغله !.. ترى ما هوَ ؟ حضر الطعام .. فنظرَ إليّ و قال بهدوء : - تفضلي . قلتُ : - سآكل .. لكن ماذا عنك !؟ ظل يحدق إلي بصمت ، فقلتُ أسأله : - فيما تفكر ؟.. مالذي يشغلك ؟ تنهدَ و هو يرفع حاجبيه في حيرة .. ثم قال : - ( جوليا ) تتصل علي .. و لم أجبها . شعرتُ بقلبي ينقبض .. آه ( جوليا ) !.. يبدو أنّ الأمورَ بدأت تتحرك لصالح ( إدوارد ) .. ها قد وقعت ( جوليا ) في الفخ ! قلتُ ساخرة : - و لمَ لم تجب !؟.. أما كنتَ تنتظرُ منها ذلك ؟ أنزلَ عينيه و قال بصوتٍ مكسور : - أخشى أنْ تُخَيّبَ ظني . - ستخيب ظنكَ إن استمررتَ في تجاهلها ! رفعَ عينيهِ إلي دونَ أن يحركَ شفتيه بكلمة ، فقلتُ و أنا أضع الطعام في طبقي : - حينَ تتصلُ عليكَ ثانية ، أجبها . ثم رفعتُ بصري إليه ، فإذا بي ألمحُ ابتسامةً جميلة على وجهه .. ابتسمتُ إليه و قلت : - ماذا ؟! قال و الابتسامة لا تبرحُ و جهه : - أتعرفينَ يا ( كريستي ) ؟.. أنتِ رائعة ! اتسعت ابتسامتي حتى كشفت عن اسناني ، و قلت : - هيا لنتناول العشاء قبل أن يبرد . تناولنا عشاءنا على مهل ، بعدها غادرنا المطعم ، و صعدنا سيارتي و عدنا إلى المنزل .. فورَ دخولنا .. استقبلتنا إحدى الخادمات ، و قالت تخاطب ( إدوارد ) : - سيدي ، هناكَ امرأةٌ بالداخل .. جاءت منذ قليلٍ و هي تنتظرك في غرفةِ المعيشة . أنهت الخادمة قولها .. و تبادلنا النظرات أنا و ( إدوارد ) .. و أعتقد أنه يفكر تماماً بما كنت أفكر .. ( جوليا ) ! و لم تمنحنا ( جوليا ) وقتاً للسؤال .. حيثُ جاءت بنفسها لتقف عندَ مدخل الغرفة تنظر إلينا .. وجهنا نظراتنا إليها .. بدت لي مرتبكةً قليلاً . رفعتُ بصري نحو ( إدوارد ) ، كان ينظر إليها بصمت .. و قد أحسستُ بلهفتهِ إليها من خلال عينيهِ و أنفاسه التي بدت تتسارع ! لا أعرفُ شيئاً عن علاقتهما ، لا أدرك كم مضى الحال بهما مبتعدينِ عن بعضهما .. أو منذ متى يعشقان بعضهما .. لكن الحب قد كان سيد الموقف الآن ! هاقد عادت إليه .. و هو متلهفٌ لعودتها .. كسرتْ ( جوليا ) الصمت بصوتها الهادئ : - ( إدوارد ) .. أعتذر لحضوري دونَ موعدٍ مسبق .. لكن .. طلبتكَ على الهاتفِ مرتين و لم تجبني . أجابها بذات الهدوء : - كنتُ بصحبةِ زوجتي .. نظرتْ إلي .. نظراتٍ لم أرها من قبل في عينيها ، إنها تبدو ( جوليا ) مختلفة عن ( جوليا ) التي أعرفها . فكرتُ في الانسحاب و ترك المجال لهما .. فقد شعرتُ أنّ شوقهما كبير .. رغم غضبي من كليهما .. قلتُ استأذنهما للإنصراف : - حسناً إذاً .. سأذهب إلى غرفتي ، عن إذنكما . و انصرفتُ و صعدتُ لغرفتي .. جلستُ و لزمتُ الصمت .. أفكر فيهما و قلبي يحترق غيرةً من ( جوليا ) .. قد لا أحب ( إدوارد ) كثيراً و لكني زوجته !.. كم يجب عليّ أن أتحملَ بعد ؟ إن عادت ( جوليا ) و وافقت على الزواج منه .. فلن يكونَ لي مكاناً هنا !.. سيتم تجاهلي و إحالتي للعدم .. أنا هنا بشكلٍ مؤقت ! بدأت ارتعد من هذه الأفكار .. فحاولت تناسي الأمر و الخلود إلى النوم .. فاستبدلت ثيابي و اندسستُ تحتَ غطاء السرير حتى نمت . •• الجزء السادس ••🥀 فتحتُ عيناي في الصباح ، نظرتُ إلى نافذتي .. كان الثلج يتساقط بخفة و هدوء .. نهضتُ و أخذت حماماً دافئاً و استعددتُ بعدها للنزول .. كنتُ أجفف شعري و أنا أفكر في ( إدوارد ) و ( جوليا ) .. ينتابني الفضول لمعرفةِ ما حدثَ بينهما ! حينَ انتهيت من تجفيف شعري و تسريحه .. نزلتُ إلى الأسفل لغرفةِ الطعام ، حينَ دخلتُ الغرفة لم أجد ( إدوارد ) . سألت إحدى الخادمات عنه ، فأجابتني أنه غادر إلى عمله دونَ أن يتناولَ طعام الفطور ! أصابني الإستياء .. لقد غادر دون رؤيتي ! تناولت إفطاري ، و بعد ذلكَ صعدتُ إلى غرفتي .. و أمسكت بهاتفي و طلبت رقم ( إدوارد ) .. بدأ بالرنين ، فتوقفت قدماي عند النافذة أنتظر أن يجيب . أخيراً جاءني صوته : - صباح الخير ( كريستينا ) . أجبته باغتضاب : - صباح الخير !.. أينَ أنت ؟! - في العيادة . قلت باستغراب : - منذ الصبح الباكر ؟! - نعم .. هل تريدين شيئاً ، لدي عملٌ الآن . انتابني الحزن .. و قلت بصوتٍ مخذول : - تمنيتُ الحديث معكَ هذا الصباح ! - فيما بعد .. عن إذنك . لم أقل شيئاً ، بل أغلقت الهاتف بقهر .. في الواقع كنت أريد سؤاله عما حدثَ البارحة بينه و بينَ ( جوليا ) ، ثائرٌ قلبي !.. يريد معرفةَ التفاصيل التي جرت بينهما ! ألقيتُ بهاتفي على السرير .. و نظرتُ إلى الثلج المتساقط .. و وجومٌ شديدٌ دبّ داخلي .. كان هذا الصباح سيء !.. سيءٌ و فارغ من الأجابات .. بدأت حقاً أشعر بالإحباط ! ======== قد حلّ العصر ، و ( إدوارد ) لم يعود ! لم يعد ليتناول طعام الغداء .. ربما هو معتادٌ على تناولهِ في الخارج حينَ يعمل .. لكنه لم يهاتفني كذلك !.. و هو يعلم جيداً أني أرغبُ بالحديث معه . بدأتُ أشعر بالإنزعاج .. لقد تغيّرَ ( إدوارد ) في ليلةٍ بسبب ( جوليا ) ! ترى ماذا دارَ بينهما ؟! خرجتُ من غرفتي .. و تبادر إلى ذهني أنْ أذهبَ لغرفةِ ( إدوارد ) ، ربما أستطيع معرفةَ أشياء أخرى عنه من خلالها . بدأتُ في البحث عن غرفته ، و لم يتطلب البحث العناء .. حيث عثرت على غرفتهِ بسرعة . فتحتها و عرفتها فوراً من رائحةِ عطره التي تفوح في أرجاء الغرفة .. كانت غرفته رحبة .. أثاثها رفيع الطراز ، كانت تشبه ( إدوارد ) ! دخلتُ و أغلقتُ الباب بهدوء .. و وقفتُ عند البابِ أتفحصها .. حتى وقعت عيناي على إطاراتِ صورٍ على المنضدةِ قربَ السرير . خطوتُ بهدوء .. و وقفت عند المنضدة ، فوقعت عيني على إطارٍ يحتوي صورةً لـ ( جوليا ) . عقدتُ حاجباي بانزعاج .. ( جوليا ) ( جوليا ) ( جوليا ) !.. لما هي في كل مكان ؟!.. أيعشقها لهذا الحد ؟ استدرتُ و اتجهتُ نحو النافذة .. نافذةُ ( إدوارد ) لها ذاتُ إطلالةِ غرفتي . بينما كنتُ اتأمل ، لمحتُ سيارةَ ( إدوارد ) داخل باحة المنزل .. فتبادر إلى ذهني أنه عاد إلى المنزل بكل تأكيد ! استدرتُ لأغادر الغرفة قبل أن يصعدَ إليها .. و أسرعتُ لأفتحَ الباب .. لكني توقفتُ مشدوهةً بعدَ فتحهِ حينَ رأيتُ ( إدوارد ) واقفاً قبالتي . عقدَ ( إدوارد ) حاجبيه استغراباً ، و قال بهدوء : - ماذا تفعلينَ في غرفتي ؟! حاولتُ استجماع هدوئي و قلتُ مازحةً و أنا اتنحى عن الباب : - جئتُ لأشتمّ رائحةَ عطرك ! دخلَ الغرفة و هو يمشي بتثاقل .. و قال : - لا تدخلي غرفتي حينَ أكونُ غائباً . نظرتُ إليه و قلت بعينينٍ متسعتين : - ما العيبُ في أن أدخلَ غرفةَ زوجي !؟ التفتَ إليّ و الإنزعاجُ بادٍ على تقاسيم وجهه : - ( كريستينا ) ! اقتربتُ منه و قلت : - لما لم أركَ اليومَ بطوله !؟.. جلسَ على سريره و قال و هو يخلع معطفه : - كفاكِ استجواباً .. و كأني لم أخبركِ أني سأعود لعملي بعدَ يومينِ من زواجنا . قفزتُ للسؤال الأهم بالنسبةِ لي : - لم تخبرني بما حدثَ ليلةَ البارحة !.. ماذا تريدُ منكَ ( جوليا ) ؟! ابتسمَ و هو ينظر في عيني المتلهفتين و قال : - جاءت لتخبرني عن مدى انزعاجها من وقوفكِ جانبي ليلةَ زواجنا . أصدرتُ ضحكةً ساخرة .. بينما أنكسَ رأسه إلى الأرض .. ثم قال بصوتٍ منخفض و هو لا يزال ينكس رأسه : - ( جوليا ) لا تريد الزواج بي .. لأنها لا تنجب . حدقتُ فيه متفاجأةً من قوله .. و صمتت ، صمتتُ و أنا أتأمل الخيبة التي قصمت ظهرَ ( إدوارد ) .. الحزن البادي على جسده المنهك .. و وجههِ المتوجمِ منذ دخوله الغرفة ! لم يكن ( إدوارد ) بحالٍ جيدٍ لهذا السبب إذاً !.. رفعَ رأسه و الحزنُ يكتسي ملامحه .. و قال و هو ينظرُ إليّ : - ماذا عليّ أن أفعل يا ( كريستينا ) !؟ ازدردتُ ريقي و هززتُ رأسي .. لا أعلم ! لا أعلم كيفَ عساني أنفعه ؟!.. رفعَ رأسه و هو يتأوه .. ثم استلقى على ظهره .. و قال : - لقد بكت كثيراً ليلة البارحة ، أخبرتني أنّ زواجي كان وقعهُ قاسٍ عليها .. حينَ بدأتُ بلومها أعترفت بذلك .. قالتْ أنها تعرضت لحادثٍ منذ زمن .. و قد أثر على استطاعتها على الإنجاب .. ليتها أخبرتني منذ البداية . أنكستُ رأسي قهراً و حزناً على نفسي .. ليتها أخبرته من البداية ، من الواضح أنه نادمٌ على الزواج بي !.. يبدو أنّ إقامتي هنا أوشكت على الإنتهاء . رفعتُ رأسي إليه .. و قلتُ و أنا أحاولُ جاهدةً تمالكَ نفسي : - ماذا ستفعل ؟ - سأجدُ حلاً .. ثمَ جلسَ و نظرَ إليّ .. و التقت عيناه بعيني المغرورقتين .. فسألني : - تبكين ؟! قلتُ بصوتٍ مخنوقٍ و أنا أرفع كتفيّ بحيرة : - و أنا ؟!.. ما ذنبي في كلّ الحكاية ؟! ظل يحدق بي ، حتى صددتُ عنهُ حينَ أحسستُ بدموعي تنهمر .. ثم قال : - يكفي ألّا تعلّقي قلبكِ بي .. و استمتعي بحياتكِ فقط ، استمتعي في كل لحظةٍ يا ( كريستي ) . نظرتُ إليه .. فقال : - سآخذ حماماً و أنام .. يمكنكِ المغادرة الآن . سرتُ بصمتٍ للخارج ، و أنا على يقينٍ أنّ دوري انتهى .. انتهى تماماً .. ========= منذ تلكَ اللحظة .. و ( إدوارد ) لا يبالي بي أبداً ، يغادرُ في الصباح الباكر و يعود قبيلَ الغروب .. و في بعضِ الأيامِ لا يجيء إلى المنزل حتى اليوم التالي !.. أغلب الظن أنه يمضي ليلهُ معَ ( جوليا ) .. و أنا ابتلعتُ غصتي و تابعتُ دراستي بعدَ مضي أسبوعٍ من مجيئي إلى منزل ( إدوارد ) .. ما عدتُ أعترف بزواجي منه و لا عدتُ أجرأ في قول زواجنا أو أننا زوجين !.. سيحين الوقت لا محالة و أغادر هذا المكان .. لكن متى لا أعرف . منذ أن عدت إلى متابعةِ دراستي و يومي أمضيهِ خارجَ المنزل .. بالكادِ أعود في المساء ، أتناول العشاءَ و أصعد إلى غرفتي ، آخذ حماماً و بعدها أرى ما عليّ من واجباتٍ و بحوثات .. و حينَ تحين الحادية عشر أخلد إلى النوم .. و بعض الأحيانِ أعود إلى المنزل في الثامنة بعد تناولي العشاء خارجاً . صار المنزل كئيباً بعدما غابَ ( إدوارد ) عنه .. قد فقدَ الحياة .. أن تعيشَ منفرداً و وحيداً .. شعورٌ موحش ! لم أكن أشعر بالوحدةِ و الوحشة قبل مجيئي إلى هنا .. لكن قد فَرِقَ الأمر معي بعدَ أن شاركتُ ( إدوارد ) بعض اللحظات .. في إحدى الأيام ، جاءني ( إدوارد ) في الصباح الباكر في غرفتي .. كنتُ لا أزال على السرير .. لم أنهض بعد .. و كالعادة .. هو لا يطرق الباب ، بل يقتحم الغرفةَ فوراً ..! نظرتُ إليه و أنا لا أزال مستلقيةً .. و قد استغربتُ مجيئهُ في الواقع !.. إذ أنه مرّ وقتٌ طويلٌ لم يتحدث معي فيه .. قال و هو يقف بعيداً و ينظر إليّ : - لم تستيقظي بعد ؟! جلستُ و أنا أجيبه : - ها قد استيقظت .. ماذا عندك ؟ - ألن تذهبي إلى الجامعةِ اليوم ؟ - لا .. خيراً لمَ أنتَ هنا ؟! أقتربَ مني و جلسَ على طرفِ السرير و التفتَ إليّ قائلاً : - وصلتنا دعوةٌ لتناول العشاء هذه الليلة من أحدِ الأصحاب .. لذا استعدي هذا المساء .. كوني مستعدةً في السادسة على أقل تقدير . رفعتُ حاجباي و أنا أرمقه باستهجانٍ و استنكار ، فسألني : - لما تنظرينَ إليّ بهذه النظرات ؟ - هل تريد التّزَيُّنَ بي أمامَ أصدقائك ؟.. هل حضوري ضروري ؟! أدار وجهه عني و قال : - أنتِ زوجتي .. و عليكِ الحضور و مرافقتي في كل الإحتفالات و الدعوات . - لا أريد . نظرَ إليّ بعينينٍ حادتين ، فقلتُ و أنا أعقد حاجباي : - أنا متعبة .. و لا طاقةَ لي في ادّعاءِ السعادةِ و الفرحِ معكَ أمامَ الملأ كذباً ، نحنُ لا نحبّ بعضنا .. أو بالأصح .. أنتَ لا تطيقني . قال بهدوء و قد خفّ غضبه : - لستُ أكرهكِ و لا أطيقكِ .. على العكس ، أنتِ صديقة رائعة يا ( كريستي ) .. إنما لا أستطيعُ مشاركتكِ كل شيءٍ و أنا أتمنى ( جوليا ) في كل شيء !.. سيكونُ ظلماً لكِ . قلتُ بنبرةٍ حزينة : - لقد ظلمتني بزواجكَ مني منذ البدايةِ أساساً . وقفَ و قال و هو لا يزال ينظر إلي : - استطعت الزواج ، لكني لا أستطيع أن أقيمَ علاقةً زوجيةً حقيقيةً معكِ .. و رجاءً كفي عن هذا الحديث يا ( كريستي ) . أنزلتُ رأسي بقهر .. بينما قال : - ستكونينَ جاهزة في السادسة ، سآتي بعدَ أن أعود من العيادة و أستعد أنا أيضاً .. لا تخيبي ظني . لم أجبه ، فاستدار مغادراً الغرفة و أغلقَ الباب خلفه . •• الجزء السابع ••🥀 حينَ حانت الساعة الرابعة .. غادرتُ المنزل ، أعرف أنه اقتربَ موعد مجيء ( إدوارد ) من عيادته .. هذه المرة لن أنزلَ عندَ رغبته ، لن أحضرَ العشاء معه .. فلتتأبط ( جوليا ) ذراعه .. أليسَ هذا ما يريدانه ؟! ابتعدتُ كثيراً عن المنزل .. نزلتُ في أحد المجمعات ، مضيتُ بعض الوقت ثم غادرتُ المكان إلى أحدِ المطاعم .. لأولِ مرةٍ أدخل هذا المطعم .. يبدو قديماً و متهالكاً مقارنةً بالمطاعمِ الحديثة .. سأتناول أي شيءٍ نيابةً عن وجبةِ العشاء .. فقد بدأتُ أشعر بالجوع . جلست على أحدى الطاولات الفارغة ، فجاء إلي النادل ليأخذ طلبي .. بعد دقائق ، سمعتُ صوتَ انكسارِ زجاج .. كان قادماً من الداخل .. لفتَ انتباهي ذلك الصوت ، و لكن ما شد مسامعي أكثر هو صوت الصراخ و الصياح بعده .. أغلب الظن أن أحد العاملين قد كسرَ شيئاً ! تذكرتُ حياتي السابقة كيفَ كانت ، تذكرتُ العناء و الشقاء الذي كنت أمر به كل يوم !.. لكن سرعان ما توقفت عن التذكر !.. فقد ظهرَ الشاب المتسبب في كسر الزجاج حزيناً و متألماً و ربّ العمل يشده من كمه يشتمه قائلاً : - غادر الآن فوراً .. لا أريد أن أراك هنا ثانيةً أيها اللعين . أمسكَ الشاب بيد الرجل و قال يرجوه : - صدقني لن أكررَ ذلكَ ثانيةً يا سيدي . صرخَ به : - بل تقصد رابعةً أيها الغبي ، غادر المكان .. و راتبكَ هذا الشهر لن تنال منه فلساً واحداً .. سيكون عوضاً لي عن زجاجاتِ الشراب التي حطمتها . بكى الشاب !.. و قد هزني ذلك و أثار غضبي .. فوقفتُ أنظر بغضبٍ و داخلي يعصف من الغيظ ! قال الفتى يتوسل للرجل : - لا تفعل سيدي أرجوك ، أنا و أخوتي بحاجةٍ للمال ! - قلت انصرف . تقدمتُ نحوهما بانفعال .. و قلت للرجل الغاضب : - كم ثمن زجاجات الشراب ؟..سأدفع ثمنها لكن لا تحرم الفتى حقه . نظرَ الإثنان إليّ بدهشة .. فأخرجت كل المال الذي في محفظتي و أعطيتها للرجل قائلة : - هل هذا يكفي ؟ ابتسم الرجل و أخذ المال من يدي ، ثم قال : - نعم ، يكفي .. ثم رمى القليل من المال على الفتى و قال له : - خذ هذا المال و انصرف عن وجهي . شعرت بداخلي يحترق من تصرفه السيء .. فنظرتُ للفتى المكسور كيفَ ينظر للمال الذي وقعَ على الأرض .. و ما إن همّ ليلتقطه .. مددتُ يدي إليهِ أمنعه .. نظرَ الفتى إليّ مستغرباً ، فانحنيتُ أنا و التقطتها .. و أعطيتها له و قلت : - تعالَ معي الآن . أجابني مرتبكاً : - إلى أين ؟! شددتُ على كفه و قدته إلى الخارج .. و وقفت به عند باب المطعم و قلت له : - لا تهتم لما حدث ، سنبحث لكَ عن عملٍ الآن . قال الشاب مبتسماً : - ممتنٌ جداً يا آنسة ، لكن لا تشغلي بالكِ بي .. سأبحث غداً عن عمل ، أنا شاكرٌ لكِ . حدقتُ به .. أشعر بالمسؤولية التجاهه ، ربما لأنه يذكرني بنفسي !.. أفهم جيداً ألمه و انكساره هذه اللحظة . قال لي : - سأذهب الآن لأشتري طعاماً لأخي و أختي ، لا أريد أن أتأخر عليهما .. شكراً ثانيةً . - انتظر .. أريد المساعدةَ حقاً ! حدقّ بعيني باستغراب ، و قال متعجباً : - لستِ مضطرة يا آنسة .. قلتُ بإصرار : - لكني أرغب بذلك . بدأ الثلج بالتساقط هذه اللحظة .. فقال الشاب : - شكراً .. لكن كيف ؟ - ما أسمك ؟ - ( كارلوس ) . - أنا ( كريستينا ) .. هل معكَ هاتف ؟ - أجل . - جيد .. سأعطيكَ رقمي ، و غداً سنلتقي في هذا المكانِ في الساعةِ الرابعة . قال متردداً : - حسناً ، إن كان ذلكَ يهمك ! ابتسمت و قلت بامتنان : - شكراً . أعطيته رقم هاتفي و حصلت على رقم هاتفه ، و وعدني أن يهاتفني غداً .. افترقنا بعدها .. و أنا أشعر بالكثير من السعادة تغمر قلبي . و الآن .. بعد أن حلت الساعة السابعة .. سأعود للمنزل ، لاشك أنّ ( إدوارد ) غادر للعشاء .. سأعود لأتناول عشائي في المنزل فأنا أتضور جوعاً . عدت إلى المنزل .. و فور دخولي ذهبتُ إلى المطبخ لأسألَ عن العشاء ، أخبرتني الخادمة أن العشاء سيكون جاهزاً بعدَ نصفِ ساعة .. فقررتُ أن أصعدَ إلى غرفتي للإستحمام إلى حين العشاء . ذهبتُ إلى غرفتي .. و حينَ دخلتها تفاجأت !.. كانَ بها ( إدوارد ) ! وقفتُ مشدوهةً مكاني عند الباب .. حينَ رأيته جالساً على الأريكة ينظر إلي .. بدأ قلبي يخفق بشدة ، و أنفاسي تتلاحق خوفاً مما سيحدث . قال بهدوء : - أغلقي الباب و تقدّمي . أغلقت الباب بسكونٍ شديد .. ثم تقدمتُ نحوهُ و أنا أحبس أنفاسي في صدري ، أشعر و كأنّ قلبي سيخرج من بينِ أضلعي ! وقفَ هو الآخر و تقدم نحوي .. فشلت حركتي . كان وجهه بارداً كما هو دائماً ، لكن الشرر يتطاير من عينيه .. أشعر و كأنه يتوهجُ ناراً ! توقفَ قبالتي .. فقلتُ بصوتٍ ضئيل : - أنتَ .. لم تذهب ! مدّ يده نحوي و شدّ على ذراعي بقوةٍ و هو يقول بهدوء : - هل تجرؤينَ على عصياني يا ( كريستينا ) ؟! أحسستُ بالألم من قبضته .. فوضعت يدي على يده التي تضغط بقوةٍ على ذراعي و قلت متألمة : - أتركني ! لم يتركني ، بل استمر في الكلام و هو يعقد حاجبيه بغضب : - حذرتكِ من أحراجي مع أصدقائي و لكنكِ .. لا تأخذينَ تحذيري على محمل الجد . نظرتُ إلى عينيه بتوسل .. فأرخى قبضته ، و أنزلَ يده عني و قال و قد هدأ قليلاً : - لمَ تغضبيني يا جميلتي ؟ شددت على ذراعي المتألمة بقهر ، و قلت بانفعال : - لا ترغمني على مالا تطيقهُ نفسي يا ( إدوارد ) .. لا أستطيع .. - بل تستطيعين .. إنه أمرٌ في غايةِ السهولة ! أغرورقت عيناي .. لا أريد الذهاب مرغمةً معه ! تنهد و قال آمراً : - استبدلي ثيابكِ فوراً لنذهب ، ما زال هناك متسعٌ من الوقت .. أسرعي . - سآخذ حماماً أولاً . - استعجلي إذاً ، عشر دقائق و نذهب .. سأخرج فستاناً لكِ و حذاءً .. لا تتباطئي . تحركتُ بغضبٍ و ذهبت إلى الحمام ، أخذت حماماً سريعاً جداً ، و حينَ خرجتُ من الحمام وجدتُ فستاناً أسوداً جميلاً و حذاءً أنيقاً ملقيانِ على السرير .. هما أيضاً من اختياره ! ارتديتُهما و جففتُ شعري بالمنشفةِ و سرحته على عجل .. ألتقطتُ حقيبتي و معطفي و غادرتُ إليه .. كانَ ينتظرني في الأسفل .. حينما رآني سكنت تقاسيم وجهه ، فقلتُ و أنا أقترب منه : - أنا جاهزه . - لم تضعي شيئاً من الزينة على وجهك ! - هل أعود لغرفتي ؟! - لا ، أنتِ جميلةٌ هكذا أيضاً .. هيا بنا . ========== وصلنا إلى القاعة قبل موعد العشاء ، دخلتُ و أنا متشبثة بذراعِ ( إدوارد ) كما هو متوجبٌ علي .. لكنّ ( إدوارد ) لم يلزمني بالبقاءِ ملتصقةً به ! ربما لأن ( جوليا ) لم تكن هنا .. قضيتُ العشاء بصداعٍ شديد .. كنتُ صامتةً للغاية و هادئة ، لم يكن ليعجبني أي شيءٍ هنا و لا ليثير اهتمامي !.. جئتُ مرغمةً و ذلكَ قد بدا علي .. و ربما اعتقدَ البعض أني مغرورةً أو متعجرفة ، لا يهم فاليظنوا ما يشاؤون .. إني غير مهتمةً بهم . مضى الوقتُ أخيراً .. و حينَ عدنا إلى المنزل دلفنا إلى الداخل .. فقال ( إدوارد ) و هو يتقدمني و دونَ أن ينظرَ إلي : - تصبحينَ على خير . لم أجبه ، بل ظللتُ أحدق به حتى غابَ عن عيني .. ثم صعدتُ لغرفتي . ======== كان الجو صحواً في اليوم التالي ، و الشمس قد بانت أشعتها من خلف الغيم .. خرجتُ إلى الجامعةِ في الساعةِ السادسةِ و النصف .. أمضيتُ وقتي في الجامعة حتى الظهر ، ثم ذهبت للغداءِ في أحدِ المطاعم ، بعدَ ذلك عدتُ لمكتبةِ الجامعة و أمضيت الوقتَ فيها حتى حانت الثالثة .. غادرتها و أنا متذكرةً ( كارلوس ) ، لقد وعدتُ أن التقيهِ في الرابعة عندَ ذاك المطعم . وصلتُ هناك قبلَ الرابعةِ بعشرين دقيقة ، و بعدَ عشرِ دقائق من الإنتظار ، وجدت ( كارلوس ) مقبلاً إليّ ! حينَ رآني ابتسم ، فأسرع خطاه حتى اقتربَ مني قائلاً : - أهلاً يا آنسة . صافحتهُ بوجهٍ مبتهج : - مرحباً ، كيفَ حالك يا ( كارلوس ) ؟ - بخير .. ماذا عنكِ ؟ - جيدة جداً . قال لي بسعادة : - لقد ذهبتُ هذا الصباح للبحث عن عمل ، و من حسن الحظ أني عثرتُ على عملٍ جيد . قلتُ بحماسٍ و سعادة : - رائع ، و ما هو عملك ؟ - سأعمل رجل أمنٍ في أحد الفنادق .. لم يتم إبلاغي بموافقتهم على العمل لكنهم وعدوني بارسال الجواب قريباً . - هذا جيد .. إلى حين ذلك ، هل ستكون أنتَ و أخوتكَ بخير ؟! - نعم .. شكراً لاهتمامك . دعوته بعدَ ذلك للجلوس في أحد الأماكن العامة و شرب القهوة .. و حينَ كنا جالسين .. سألته عن نفسه : - كم عمرك ؟.. و هل تدرس ؟ قالَ و هو ينظر في كوبه بخجل : - أنا في الثالثةِ و العشرين من عمري ، لكني لا أدرس .. في الواقع .. و رفعَ عينيه عن كوبه إليّ و قال : - لم أكمل دراستي العامة بسببِ ظروفي السيئة ، والداي متوفان .. و أنا أكبر أخوتي و أحاول الاهتمام بهما و مساعدتهما في العيش . تعاطفت معه كثيراً ، و قلت باهتمام : - كم عمرهما ؟ قال و قد ارتسمت السعادة على وجهه : - أختي تصغرني بسنتين ، و هي ستتزوج في فصل الصيف .. أي أنها ستعيش حياتها مع رجلٍ يحبها و يهتم بها و هذا يشعرني بالراحة و الإطمئنان .. كذلك سيقل عبئي يا ( كريستينا ) . ابتسمت بسعادةٍ أنا الأخرى و قلت : - رائع ، رائعٌ جداً !.. أرجو أن تعيشَ حياةً رائعة مع زوجها . - أنا واثقٌ من ذلك .. فهو يحبها كثيراً كما أن له منزلاً جميلاً و عمل جيد .. سيوفر لها حياةً رائعة . - حسناً !.. و ماذا عن أخيك ؟ أخذَ نفساً و قال : - أخي بعمر السادسة عشر ، تبقى القليل لينهي دراسته العامة .. أنا و شقيقتي نساعده على ذلك بما نستطيع . - جيدٌ جداً ، و اعلم يا ( كارلوس ) أني مستعدةٌ للمساعدة في أي وقت . ابتسم و قال : - شكراً لكِ ، لكن .. يتملكني الفضول لأعرف .. ما سبب حماسكِ للمساعدة يا ( كريستينا ) ؟ ابتسمت على مضض ، و قلت بهدوء : - حينَ رأيتك ، تذكرتُ نفسي .. كنتُ أعملُ نادلةً في أحدِ المطاعم ، و اقترفت ذات الخطأ .. كدتُ أن أطرد !.. لذلكَ شعرتُ بالغضب من تعاملِ ذاك الرجل معك . - آه !.. فهمت ، و ماذا تعملينَ الآن ؟! ضحكتُ و قلت : - أنا لا أعمل الآن ، لقد تزوجت و تركت العمل ، لكني أدرس في الجامعة .. أنا في مثل عمرك يا ( كارلوس ) . - جميل . قلتُ له باهتمام : - يجب عليكَ أن تكملَ دراستكَ أنتَ الآخر ، سأساعدكَ على ذلك ، ما رأيك ؟ اتسعت عيناه دهشةً .. و قال : - ذلكَ صعب !.. ثم أنّ العمل لا يمنحني الوقت . قلتُ معترضة : - ليسَ صعباً ، بإمكانكَ تنسيق عملكَ بما يتناسب مع دراستك ، أعتقد أنّ ذلكَ ممكناً .. و المال .. سأساعدكَ أنا في أمره . صمتَ و هو يحدق بي ، فقلتُ اشجعه على ذلك : - لكَ الحق يا ( كارلوس ) في أن تدرسَ و تكونَ ما تطمح إليه .. لقد بذلتَ الكثير لأجل أخوتك .. حان الوقت ، لأن تلتفتَ لنفسك و تؤتيها حقها . صمتَ مفكراً ، ثم ارتشفَ من كوبه .. و نظرَ إليّ و قال بهدوء : - سأرى ذلك ، لكن بعدَ زواج أختي . ابتسمت و قلت : - حسناً .. لكن لا تلغي الفكرة ، هذا هو المهم . - أعدكِ أن لا أفعل . خلعتُ معطفي و وضعته على الكرسي ، ثم أمسكت بكوبي لأشربَ القهوة .. لكن سرعان ما توقفت حينَ رأيتُ ( كارلوس ) ينظر إلى ذراعي بارتياب ! نظرتُ إلى ذراعي ، فرأيتُ كدمةً زرقاء .. إنها أثر قبضةِ ( إدوارد ) ! نظرتُ لـ ( كارلوس ) ، فسألني : - هل أنتِ بخير ؟.. ماذا حلّ بذراعك ؟ قلتُ دونَ اكتراث : - أحدهم قد شدّ قبضته علي ّ ، لا تهتم .. •• الجزء الثامن ••🥀 مضى أسبوعان منذ معرفتي بـ ( كارلوس ) .. كنت فيهما ألتقي به كل يومٍ في العصر ، و أحياناً أخرى ألتقيهِ في المساء .. أي أني أقضي معظم وقتي خارج المنزل .. بالكاد أرى ( إدوارد ) ، و هو لا يهتم بي أبداً .. كنتُ آخذ منه المال فقط .. و هو يعطيني دونَ سؤال ، إنه شديد الكرم حقاً . في يوم الإجازة و في العصر ، كنتُ أستعد للخروج للقاء ( كارلوس ) .. في هذا الحين فاجأني ( إدوارد ) بدخوله الغرفة ! نظرتُ إليه و أنا أرفع حاجباي .. بينما تقدمَ حتى وقفَ قبالتي قائلاً : - كيفَ حالكِ يا ( كريستي ) ؟ - جيدة !.. ماذا عنك ؟ - بحالٍ جيد . عدتُ إلى مرآتي أصلحُ شعري قائلة : - ماذا عن ( جوليا ) ؟ لم يجبني ، فحانت مني التفاتةً إليه .. فقال : - إنها بخير .. طلبتُ منها أن تعرضَ نفسها على طبيب ، ربما تجد حلاً لمشكلتها . انقبضَ قلبي حينما سمعته يقول ذلك .. فتوقفتُ عن العبث بشعري ، و سألته بهدوء : - ستتزوجها إن تعافت ؟ قال ببرود و هو ينظر في عيني : - سأتزوجها حتى إن لم تتعافى .. أخذتُ نفساً و عدتُ بنظري للمرآة ، لا أعرف لما شعرتُ بالإنكسار .. رغمَ إدراكي بحقيقةِ زواجنا و الغايةَ منه ، رغمَ معرفتي أنّ ( إدوارد ) لا يحبني بل يحب امرأةً أخرى .. رغمَ استيعابي أني سأغادر هذا المكان يوماً .. ما زلتُ أتأثر ! قال سائلاً : - ستخرجين ؟ نظرتُ إليه و أجبت : - أجل . - هل نقضي وقتاً معاً ؟.. أشعر بالضجر . ابتسمتُ قائلةً متعجبة : - أقلتَ معي ؟! ابتسمَ و قال و هو يضع يديه على كتفي : - زوجتي الجميلة .. زوجكِ وحيدٌ هذه الليلة ، ما رأيكِ أن نتصاحبَ هذا المساء و نعود إلى حينِ انتصافِ الليل ؟.. ربما نذهب إلى السينما !.. - آسفة ، سألتقي بصديقٍ بعدَ قليل . ارتفعَ حاجباه ، و ابعدَ يديه عني و وضعهما في وسطه و قال : - أ لديكِ أصدقاء ؟! ابتسمت و أجبت : - بالتأكيد . - لم تخبريني بذلك .. و لم تحدثيني عنهم ! قلتُ و أنا أعيد ترتيبَ مستحضرات الزينة في الأدراج : - متى رأيتكَ أساساً ؟.. و متى كنتَ مهتماً بي أصلاً ؟ - كنا نتكلم عن أصدقائي ، و لم تذكري لي أصدقاءك ! نظرتُ إليه و قلت : - حينَ تحصل فرصة كهذه ، سأحدثك .. الآن أنا أستأذنك . و التقطت حقيبتي و اتجهت نحو الباب .. فتبعني .. استدرتُ إليه و قلت مقترحةً : - يجب عليكَ أن تذهبَ لأصدقائك أو .. لـ ( جوليا ) .. أخشى أن يقتلكَ الملل ! - ( جوليا ) ليستْ هنا ، و إلا لما كنتُ واقفاً أمامكِ الآن ! تجمدت تقاسيم وجهي ، فقال و هو يفتح الباب : - اقضي وقتاً ممتعاً و لا تقلقي علي يا جميلتي . و سبقني للخارج .. فعضضتُ على شفتي بضيق ، و أخرجتُ تنهيدةً و غادرتُ أنا الأخرى . ======== خرجت من المنزل ، و صدري ضاقَ بهمه .. قد استحوذ الأمر على تفكيري .. ( إدوارد ) سيتزوج قريباً ! لا أعرف لما حملتُ هماً .. لكني خائفة من النهاية ، خائفةٌ أن أكونَ مطلقةً و أنا مازلتُ في عمرٍ صغير . أفكر كيفَ ستكون حياتي بعدَ ( إدوارد ) ! أحسستُ برأسي مشوشاً مما زاد بؤسي . وصلتُ أخيراً حيثُ سألتقي بـ ( كارلوس ) ، لم يأتي ( كارلوس ) بعد ، فجلستُ أنتظره على أحد المقاعد و الطاولات .. إنما ما زلتُ مثقلةً بكلامِ ( إدوارد ) ..! وضعتُ رأسي على الطاولةِ و أنا أشعر بالإعياء و الضيق .. لن أستطيعَ مساعدةَ نفسي من هذه المصيبة ، و الأمر محتوم .. سأتطلق عاجلاً أو آجلاً .. سأعيش بمفردي و ستستحوذ ( جوليا ) على ( إدوارد ) .. أنا سأعود وحيدة .. و هو سيعشُ كما خطط له .. لقد استغلني .. و كم أحسنَ استغلالي !.. قطعَ أفكاري طرقٌ على الطاولة .. فاعتدلتُ على كرسيّ قائلةً و أنا أنظر لـ ( كارلوس ) : - جئت !؟ ابتسم و قال و هو يجلس على مقعده : - كنتِ نائمة ؟! - لا .. سكنت تقاسيم وجهه و هو يحدق بي ، ثم قال بهدوء : - خيراً يا ( كريستي ) ؟.. تبدينَ شاحبة و متعبة ! أنزلتُ نظري .. و بان الحزن على وجهيي .. و غرورقت عيناي .. قد فاض بي ألمي و حزني و ما استطعت تمالكَ نفسي ! فزعَ ( كارلوس ) حينَ رأى دموعي تجمعت بأحداقي ، و قال قلقاً : - ( كريستينا ) !.. هل هناك ما يضايقك يا عزيزتي ؟ لم أستطع حقاً تمالك نفسي .. فدفنت وجهي بينَ ذراعي على الطاولة و أنا أجهش بالبكاء .. جاءني ( كارلوس ) و جلس على ركبته على الأرض و يده على كتفي محاولاً تهدئتي : - أرجوكِ كفي عن البكاء و اخبريني ، ماذا أصابكِ يا عزيزتي ؟.. ( كريستينا ) توقفي عن البكاء .. اهدئي ! بعدَ لحظاتٍ من البكاءِ الشديد ، رفعتُ رأسي و مسحت بكمي دموعي التي عبثت بوجهي .. و أنا أحاول التوقف عن البكاء .. كنت أصدر شهقاتٍ كالطفلة .. كنتُ أحسبني سأصمد ، لكني بدأتُ بالانهيار ! وضعَ ( كارلوس ) يده على وجنتي يمسح دمعي و هو يقول : - هوني عليكِ أرجوكِ ، هل أنتِ أفضل الآن يا عزيزتي ؟ هززتُ رأسي و قلت : - نعم ، شكراً لك . - سأحضر ماءً و أعود . ذهبَ و أحضرَ ماءً .. شكرته و شربتُ قليلاً ، ثم عاد إلى مقعده و قال و هو يحدق بي بقلق : - ما بكِ يا ( كريستي ) ؟.. لما كل هذا البكاء ؟.. أنا قلقٌ عليكِ ، قد أفزعني بكاؤك! قلتُ له بقهر : - أشعر بتعاسةٍ كبيرة ، أرى أفقاً مظلماً لا حدود له .. أشعر بالكثير من الخيبة ! عقدَ ( كارلوس ) حاجبيه و قال باهتمام : - آه يا إلهى !.. لمَ كل هذا ؟ سردتُ لـ ( كارلوس ) كل الحكاية ، منذ لقائي بـ ( إدوارد ) ثم اكتشافي حبه و استغلاله لي و من ثم جفاءه و اهماله لي !.. و أخيراً .. برغبته من الزواج بـ ( جوليا )..! قال ( كارلوس ) لائماً إياي : - ما كان عليكِ الزواج به .. ثم أنه يكبركِ كثيراً يا ( كريستي ) !.. ألم يكن ذلكَ كافٍ لترفضيه ؟! قلتُ حزينة : - لم أفكر بفارق العمر ، كنتُ أفكر في الراحةِ فقط .. في المال و الحياة الهانئة . قال ( كارلوس ) و هو يقطب جبينه : - رأيتُ أثراً على ذراعكِ ذات يوم .. هل يضربكِ ؟ اتسعت عيناي و أنا أجيبه : - لا أبداً .. و أضفت قائلة بصدق : - إنّ ( إدوارد ) رائع !.. رائعٌ جداً .. ربما كنتُ أحببته لولا .. لولا صدوده و خديعته . نظرَ إليّ بإشفاق ، و قال بصوتٍ هادئ : - إنّ اللوم في الحقيقةِ يقعُ على ( إدوارد ) ، فهو من غشكِ .. هو لم يكشف نواياه من هذا الزواج قبل أن تتزوجا . قلتُ بغضب : - بالضبط ، لذلكَ أنا ناقمةٌ منه .. و هو يستفزني ببروده و عدم مبالاته .. بتُّ أعيش لنفسي .. أستمتع لوحدي و بوقتي .. لكنّ الخوفَ يغلبني الآن !.. أشعرُ و أنّ الأمرَ باتَ قريب !.. سأتطلق و لا أعرف كيفَ سأمضي حياتي ! ابتسمَ ( كارلوس ) و قال مطمئناً : - مخاوفكِ ليستْ بالغريبة ، من الطبيعي أنْ تخافي من كل هذا .. لكن حينما تتطلقين ، ستقبلينَ على الحياةِ بشكلٍ عاديٍ و مريح .. ستحبين الحياةَ و أنتِ حرة ، بعيدة عن زوجكِ اللئيم . قلتُ متألمةً : - بل سأعاني الإنكسار يا ( كارلوس ) .. أنا جداً محبطة ! - لا يا عزيزتي .. لا تفكري بهذه الطريقة حتى لا تري الأفقَ أسوداً .. إنّ الحياة مشرقة .. و انفصالكِ سيكون خيراً . ثم قال و قد اتسعت ابتسامته : - بالإضافةِ .. لديكِ صديقٌ يحبكِ و لن يترككِ للإنكسار و الخيبة .. و قال هامساً و هو ينظر في عيني : - سأكون بجانبك .. ابتسمتُ و قلتُ و أنا أشعر بالقليل من الإرتياح : - ممتنةٌ جداً .. شكراً لوجودك يا ( كارلوس ) . كان الشعور بالإرتياح مؤقتاً فقط !.. ما زلتُ خائفة أضع يدي على قلبي خشيةَ أنْ تباغتني اللحظة المشؤومة !.. ========= في صباح أحدِ الأيام .. هاتفني ( كارلوس ) ، كان يريد رؤيتي و تناول الفطور معي . أستعددتُ للخروج ، و غادرت الغرفة .. و بينما كنتُ أسيرُ لأنزل ، و جدتُ ( إدوارد ) مقبلاً .. فتوقفت . كان يمشي ببطءٍ و تكاسل .. يبدو عليه الإرهاق و كأنه لم ينم طيلةَ الليل . قلتُ و أنا أنظر إليه : - صباح الخير . توقفَ و أجاب : - صباح الخير ، ستخرجين ؟ - نعم ، سأتناول الإفطار خارجاً مع صديقي . ضاقت عينيه و هو ينظر إلي .. ثم قال بهدوء : - تخرجينَ كثيراً هذهِ الأيام يا ( كريستينا ) ، و دوماً تلتقينَ بصديقكِ الذي ظهرَ فجأةً .. من هو هذا الصديق ؟ حدقتُ في عينيه ، يتملكه الفضول !.. لماذا ؟!.. قطعاً ليسَ غيرةً عليّ من هذا الصديق . قلتُ ساخرة : - سأدعوه غداً على العشاء لتتعرفَ عليه ، ما رأيك ؟ فاجأني بجوابه : - سيكون ذلكَ جيداً .. سأنتظره غداً . و تقدمَ ليعبرَ من جانبي .. فشممتُ منه عطراً جميلاً ، رائحته مألوفةً لدي .. حاولتُ التذكر .. فاتسعت عيناي حينَ تذكرتُ أينَ شممته ! استدرتُ إليه و سألته بقلبٍ منقبض : - عادت ( جوليا ) ؟! توقفَ حينما سمعَ سؤالي .. ثمَ استدار إليّ و قال و هو يرفع حاجبيه : - نعم .. ما أدراكِ !؟ أحسستُ بالدمِ يغلي في عروقي ، لكني تصنعت الهدوء .. و أخذتُ نفساً و أجبت : - رائحة عطرها الأخاذ ملتصقةٌ بك . ارتسمت على شفتيه ابتسامةً لطيفة ، وضعَ يديه في جيبي معطفهِ و قال : - نعم .. قد قضينا الليلَ معاً ، هل أعجبكِ العطر ؟!.. سأهديكِ واحداً . عضضتُ على شفتي بقهر .. و أعتقدُ أنّ الغضبَ قد وضح على ملامحي هذه المرة ! سكنت تقاسيمه ، و قال و هو يقترب مني : - أنا آسف .. لم أقصد .. أنزلتُ رأسي إلى الأرض ، حاولت استجماع هدوئي .. ثم نظرتُ إليه و قلت : - هل استطاعت العلاج ؟ هز رأسه و قال : - لا .. أخبرها الطبيب أنّ ذلكَ مستحيل . هززتُ رأسي .. في الحقيقة لا يهم إن كانت وجدت حلاً لمشكلةِ عدمِ الإنجاب ، و لا أعرفُ لما أطلقتُ هذا السؤال ! الأمر سيان .. إن كانت تستطيع الإنجاب أو لا ، هو سيتزوجها ! قلتُ له : - عن إذنك . و استدرت للمغادرة .. و قلبي يرتجف . أشعر بالإنهزام !.. بالإهانة .. زواجي لم يكن حقيقياً ، جاء بي ( إدوارد ) لأكونَ أداةً نافعةً له لا أكثر .. سيرميها خارجاً بعدَ أن ينتهي منها .. ذلكَ يقتلني قهراً و غيظاً .. يقتلني خوفاً مما سيعقب ذلك ! •• الجزء الأخير ••🥀 في اليومِ التالي .. منذ أن غادرتُ للجامعةِ صباحاً لم أعد إلى المنزلِ إلا في الساعةِ الثامنةِ و النصفِ مساءً .. كنتُ منهكةً و أريد أن أنام .. دخلتُ إلى المنزل و صعدتُ إلى حيثُ غرفتي ، لكن حينَ وصلتُ عندَ الباب .. استعدتُ كاملَ تركيزي و يقظتي حينَ رأيتُ كيساً أنيقاً معلقاً على مقبضِ الباب !.. تعجبت !.. و مددتُ يدي و التقطتُ الكيسَ و نظرتُ لداخله بفضول . كانت به هديةً مغلفة ! ابتسمتُ حيثُ أدركتُ أنّ ( إدوارد ) من وضعها دونَ شك .. هذا الرجل يحاول دائماً تضخيمَ مخاوفي .. يحاول تصعيبَ الامر عليّ أكثرَ مما يجب ، ألم يقل لي لا تعلقي قلبكِ بي !؟.. لما يكونُ لطيفاً معي .. !؟ فتحتُ الباب .. و حينَ فتحتُ الباب وجدتُ ( إدوارد ) واقفاً عندَ النافذة . وقفتُ للحظةٍ أنظرُ إليه متفاجئة .. بينما استدار إليّ و قال بهدوء : - أخيراً عدتي ؟! دخلتُ و أغلقتُ الباب .. ثم تقدمتُ نحوَ المنضدة لأضعَ حقيبتي و كتبي و أنا أقول : - كنتَ تنتظرني ؟! و بعدَ أن وضعتُ الكتبَ و الحقيبة .. نظرتُ لـ ( إدوارد ) و أنا أقول و أشير للكيس الذي بيدي : - ماهذا ؟ ابتسم بلطف ، و تحركَ نحوي مقترباً و هو يقول : - هديةٌ صغيرة .. و وقفَ أمامي و هو يشبكُ يديهِ خلفه : - افتحيها . أخرجتُ العلبةَ من الكيس ، و نزعتُ المغلفَ من العلبة .. فإذا به عطر ! تبادر إلى ذهني أنه ذات العطر الذي شممته فيهِ صباح الأمس ، فنظرتُ إلى عيني ( إدوارد ) و أنا قاطبة الجبين ، و قلت متضايقة : - ذات العطر الذي أهديتهُ لـ ( جوليا ) ! رفعَ حاجباً و هو يحدقُ بي بصمت ، و ما إن همّ بالكلامِ حتى رميتُ العطرَ بعيداً بغضبٍ صارخة : - لا أريده ! نظرَ إلى زجاجةِ العطرِ التي صارت على الأرض ، ثم نظرَ إليّ و هو يعقد حاجبيه .. قلتُ و أطرافي ترتعد غضباً : - هل تتعمد قهري ؟!.. ألا تكتفي من إذائي و تحطيمِ مشاعري ! هدأت تقاسيم وجهه و هو ينظر إلي متفهماً .. مدّ يديه نحوي ليمسكَ بي و هو يقول محاولاً تهدئتي : - اهدئي يا ( كريستي ) .. إنه ليسَ ذات العطر ! أبعدتُ يديهِ عني و أنا أتراجع خطوةً للوراء ، و قلت بذاتِ الإنفعال : - مهما يكن ، لا أريده !.. و لا أريدك !.. و أنتَ كذلكَ لا تريدني ! عقدَ حاجبيه من جديدٍ و هو ينظر إليّ متعجباً ، فقلتُ باكيةً و القهر ينهش قلبي ، و قد خفتَ صوتي : - ستتزوجُ من ( جوليا ) ، ستتركني !.. فلا تصنع الكثير من الذكريات ، لا تزحمني بكَ يا ( إدوارد ) .. فأنتَ مفارقني ! و وضعتُ يديّ على وجهي أشهق بالبكاء .. فاقتربَ مني و أحاطني بذراعيه .. و قال و هو يضمني بصوتٍ حنون : - لا لا لا !.. لا تفعلي ذلكَ يا جميلتي ، اهدئي أرجوكِ . رفعت رأسي إليه و قلت بثبات : - غداً .. غداً يجب أن ننفصل ، لنتطلق . نظرَ إلى عيني متفاجئاً ، فحررتُ نفسي من ذراعيه و ابتعدتُ عنه بأنفاسٍ متسارعة .. و جلستُ على السرير و أنا أصدّ عنه . ساد الصمت هذه اللحظة ، ما عدتُ أسمع غيرَ صوتِ تلاحقِ أنفاسي .. بعدَ دقيقة ، سمعته يطلق تنهيدةً طويلة .. ثم قال بهدوء : - سنتحدثُ عن ذلكَ فيما بعد ، نامي الآن لترتاحي يا عزيزتي . نظرتُ إليه و بداخلي الكثير من الحقد .. فابتعدَ ليغادر ، و لكن خطواته توقفتْ عندَ العطر الملقى على الأرض .. ثم قال دونَ أن ينظرَ إليّ : - أقبلي هذا العطر ، رائحته تشبهكِ كثيراً .. و احتسبيها هديةً من صديق .. ثم أكملَ طريقه للباب ، و غادر . أخذتُ نفساً عميقاً محاولةً استجلاب هدوئي و استعادةِ زمام نفسي .. و نظرتُ للعطر ، زجاجته راقية جداً .. هل رائحته تبدو كذلك ؟ ابعدتُ نظري عن العطر بانزعاج ، و دسستُ نفسي تحتَ غطاءِ السرير ، ملتحفةً ألمي و حزني .. أفكرُ في قراري الذي اتخذته .. إنه القرار المناسب ، و كان عليّ اتخاذه منذ عرفتُ سببَ اتخاذ ( إدوارد ) إياي زوجةً له .. أغمضتُ عيني باطمئنان .. غداً سيكون أجمل .. غداً ستنقشعُ الغمامةُ عن سمائي ، غداً سأشرقُ من جديد .. ======== جاء صبحُ الغد ، استيقظتُ و أنا لا أزال تحتَ تأثير البارحة ، مازلتُ أشعرُ بالإختناق و الضيق الشديد .. لكنني اليوم سأحسم الأمر ، لذلك يجب عليّ أن أكونَ بحالٍ جيدٍ و بعزيمةٍ قوية .. يجب أن لا أستسلمَ لألمي .. نهضتُ من فراشي و ذهبتُ للحمام ، أستحممت و ارتديتُ ثيابي متأهبةً للجامعة .. و قفتُ عندَ المرآةِ و أنا أجفف شعري .. أفكر في كل شيءٍ حولي . سأفتقد هذه الغرفة ، سأفتقد هذا المنزل .. سأفتقد الاستمتاع و الراحة ! سأعود لحياتي السابقة .. سأعود وحيدةً و شقية .. سأعود لألهثَ خلفَ المالِ من جديد . انتابني حزنٌ شديد ، سأرجع للشقاء لا محاله .. ففي كل الأحوال ( إدوارد ) سيتزوج من ( جوليا ) ، و لأجل أن يتزوجها لابد أن يطلقني .. على الأقل إن تطلقتُ الآن برغبةٍ مني سأحفظ ما تبقى من كرامتي و كبريائي . أنتهيت من التزيين ، حملتُ حقيبتي و كتبي .. و بينما كنت مغادرة ، و قعت عيناي على العطر المرميّ على الأرض . توقفت أنظر إليه و كلام ( إدوارد ) يتردد على مسامعي ، فانحنيتُ و التقطته .. و رششتُ منه في الهواءِ أمامي لأشمه . أغمضتُ عيناي و أخذتُ نفساً عميقاً .. فتسللتِ الرائحةُ إلى حواسي ، كانت رائحةً عذبة و فخمة ، هي حقاً مختلفة عن عطرِ ( جوليا ) .. إنها أجمل ! ابتسمت سعادةً بجمال العطر ، و قررتُ الاحتفاظ به .. حسناً !.. لاحتسبها من صديقي ( إدوارد ) ! و تساءلت في نفسي ، هل من الممكن أن أكون أنا و ( إدوارد ) صديقان ؟!.. هراء .. ذلكَ مستحيل ! كنتُ أتمناه حبيباً و زوجاً .. فالأعترف !.. أنا أكن الكثير من المشاعر لـ ( إدوارد ) ! وضعتُ العطرَ في حقيبتي و غادرتُ الغرفة بهدوءٍ و مهل . نزلتُ لغرفةِ الطعام متأملةً أن أرى ( إدوارد ) ، يجب أن ننهي كلّ شيءٍ عاجلاً .. و كان من حسنِ الحظِ أنه هنا يتناولُ إفطاره . نظرَ إليّ حينَ دخلت ، نظرتُ إليهِ أنا الأخرى بوجهٍ متوجم ، و قلت بهدوء : - صباح الخير . أجابني بهدوءٍ هو الآخر : - صباح الخير . تقدمت نحو طاولةِ الطعام و جلستُ على الكرسي المقابل لكرسي ( إدوارد ) .. و بدأت بوضع الطعام في طبقي بصمت . قال ( إدوارد ) : - كيفَ أصبحتي ؟ قلتُ دونَ أن أنظرَ إليه : - جيدة . مرت لحظةُ صمت .. كنتُ أتناول فيها طعامي .. بينما هو كان يحتسي الشاي ، ثم سألني : - هل أنتِ جادة بشأنِ ما قلتيهِ البارحة ؟ رفعتُ عيني عن طبقي إلى وجهه .. ثم قلت : - بالتأكيد .. سأعود من الجامعةِ قبلَ الظهر ، عد أنتَ كذلك من عيادتك و لنذهب و ننهي الأمر . - ليسَ اليومَ يا ( كريستي ) .. صمتتُ و أنا انظر إليه بانزعاج ، و تساءلت : - لماذا ؟! - تمهلي قليلاً ، أو حتى حين زواجي من ( جوليا ) . قلتُ و قد بدا عليّ التوتر : - لا .. بل سننفصل في أقربِ فرصة ! صمتَ و هو يحدق في وجهي .. ثم قال بصوتٍ هادئ : - سأفتقدكِ يا جميلتي . قلتُ و أنا أنهض : - لن تفتقدني .. - حسناً .. غداً إذاً يا ( كريستي ) . هززتُ رأسي .. و ذهبتُ عنه لأغادر .. لكني توقفتُ فجأةً متذكرة ، فاستدرتُ إليهِ و قلت : - شكراً على الهدية ، قد أحببتُ العطرَ كثيراً . ابتسمَ بلطفٍ و قال : - ذلكَ أسعدني يا عزيزتي . قلتُ مترددةً بصعوبة : - هناكَ شيءٌ أيضاً .. رفعَ حاجباه و قال : - ماذا ؟! - أريدُ تعويضاً .. ظل يحدق في عيني بصمتٍ للحظات .. ثم قال و هو يمسكُ بكوبه : - من حقك ، اطمئني لن تخرجي من هذا الزواج خاسرة . ثم نظرَ إليّ و قال : - سأشتري منزلاً لكِ و سأهديكِ المال . هززتُ رأسي برضا .. فسألني : - بشأنِ صديقك !.. انتظرتكما البارحةَ على العشاء و لكنكِ لم تأتي بهِ إلى هنا !.. ماذا حدث ؟! اتسعت عيناي تعجباً و دهشة ، و قلت : - كنتَ جدياً ؟.. بشأنِ العشاء ؟! - لا أذكرُ أنيّ ألقيتُ الكلامَ اعتباطاً ! صمتتُ للحظةٍ و قد أخذتني الحيرة ..و أنكستُ رأسي مفكرة .. ثم رفعتُ إليه عينيّ و قلت : - لا داعي لأن تتعرفَ عليه ، أنا و أنتَ مفترقان .. يجب أن لا تهتمَ بعلاقاتي .. و لا بأيّ شيءٍ يخصني . نظرَ إليّ ببرودٍ شديد .. و اكتفى ، فعدتُ لاكملَ طريقي خارجَ المنزل . ======== خرجتُ منَ الجامعة قبيلَ العصر ، و فكرتُ في أينَ عساني أذهب .. ( كارلوس ) يعمل في هذا الوقت و لن أستطيعَ لقاءه ، قررتُ أنْ أتسوق .. فكرتُ في شراء بعض الهدايا لـ ( كارلوس ) و أختهِ و أخيه .. فلقد كنتُ أنوي ذلكَ منذ مدة و لم أفعل .. ذهبتُ إلى السوق .. و فكرتُ كثيراً ماذا يمكنني شراء هديةٍ لـ ( كارلوس ) ، بعدَ تفكير .. و بعدَ البحث في السوق قررتُ أن أشتريَ ساعتينِ أنيقتينِ لـ ( كارلوس ) و شقيقه .. أما لأختهِ المقبلة على الزواج فقد تبضعتُ لأجلها الكثيرَ من أدوات الزينة و المكياج و طلبتُ منَ صاحب المحل أن ينسقها في علبةِ هديةٍ و يغلفها . بعدَ أن انتهيتُ من التسوق ، نظرتُ إلى الساعةِ في هاتفي ، كانت الرابعة .. فقررتُ مهاتفةَ ( كارلوس ) ، فقد انتهى وقت عمله الآن . هاتفته و أجابني ، فأخبرته أني أرغب بلقائه عندَ الحديقةِ المجاورة للفندق الذي يعمل فيه . بعدَ ذلكَ ذهبتُ للقائه ، فوجدتهُ ينتظرني عندَ مدخلِ الحديقة . أوقفتُ سيارتي و نزلتُ منها و أنا أحمل أكياسَ الهدايا .. اقتربتُ منه ، كان ينظرُ إليّ متفاجئاً بما أحمل ..! توقفتُ عنده و أنا قائلة بسعادة : - مرحباً ( كارلوس ) ! أجابني و علاماتُ الإستفهامِ باديةً على وجهه : - مرحباً بكِ !.. ما هذا ؟! ابتسمتُ و قلتُ له : - إنها هدايا لكَ و لأخوتك .. أتمنى أن تعجبكم . نظرَ إليّ بخجلٍ و قال : - آه ( كريستينا ) !.. لما ذلكَ يا عزيزتي ؟! اتسعت ابتسامتي و قلت : - أنتَ و عائلتكَ أصدقائي الوحيدين .. أحببتُ أن أقدمَ لكم شيئاً فما الضير في ذلك ؟! ابتسمَ و قال بهدوء : - لطفٌ منكِ ذلك ، شكراً . - هيا خذها !.. و دعنا نجلس . و ذهبنا لنجلسَ على أحدِ المقاعد .. حينَ جلسنا أخرجتُ الهديةَ التي خصصتها لـ ( كارلوس ) و قلتُ له : - تفضل ، هذهِ لك .. أتمنى أن تنال على إعجابك . التقطها مني و هو يبتسم : - شكراً جزيلاً ، أيمكنني فتحها الآن ؟ - بالتأكيد ! فتحَ العلبة على عجل ، و حينَ رأى الساعةَ أمعنَ النظرَ إليها و ابتسامته تتسع ، ثم نظرَ إليّ و قال بهدوء : - إنها براقة جداً ، و جميلة جداً .. قد أعجبتني كثيراً يا ( كريستينا ) ، شكراً . سعدتُ لسماعي ذلك ، و سعدتُ لرؤيةِ الفرح في عينيه .. و قلتُ مشجعة : - ضعها على يدكَ إذاً . - حسناً . و وضعها على معصمه ، و نظرَ إليها بسعادة .. ثمّ نظرَ إلي قائلاً : - شكراً يا عزيزتي . - هناك ساعةٌ أخرى لشقيقك ، أما الباقي فلشقيقتك . - سيفرحانِ كثيراً بها . بهتت ابتسامتي قليلاً حينَ فكرتُ في إخبارِ ( كارلوس ) بما استجدّ بيني و بينَ ( إدوارد ) .. و بدأ قلبي يخفق ارتباكاً .. إنه من الصعب جداً أن أتحدثَ في الموضوع ! لاحظني ( كارلوس ) ، و بانَ الاهتمام على ملامحهِ و هو يقول لي : - ما الأمر ؟.. ماذا أصابكِ فجأةً يا ( كريستي ) ؟! قلتُ و أنا أنظرُ إليهِ بحزن : - سأتطلقُ من ( إدوارد ) غداً . صمتَ و هو يحدق فيّ ، فانزلتُ عيناي حيثُ يدي المتشابكتين ، و قد تجمعت الدموع بأحداقي . قالَ ( كارلوس ) و هو يربت على كتفي : - لا بأس .. هوني عليكِ . تساقطت دموعي ، فرفعتُ رأسي لآخذَ نفساً عميقاً و أصدرُ زفيراً طويلاً .. ثم قلتُ و أنا أمسح دموعي : - لستُ نادمةً لاتخاذي هذا القرارِ الآن و لكني .. متألمة . مدّ يدهُ إلى يدي و أخذها في قبضته قائلاً : - أفهم ذلك .. هل قررّ الزواج من حبيبته ؟ نظرتُ إليه و قلت : - سيتزوجُ عاجلاً أو آجلاً .. لكني لا أستطيعُ الاحتمال أكثرَ بجواره ، و لن أتحملَ البقاءَ إلى حينِ تركهُ هوَ لي !.. لنْ أسمحَ له برميي بعدَ أنْ يعلنَ عن انتهاءِ دوري لديه . - قد يكون الأمر صعباً لكن .. فعلتِ ما هو أفضل . أنزلتُ عينيّ التي دمعتا من جديد ، و قلت مستأنفة : - لقدَ رفضَ ( إدوارد ) رغبتي في البداية .. لكنه وافقَ بعدَ إصراري .. كان يريد مني البقاء إلى حينِ زواجه من ( جوليا ) . قال ( كارلوس ) مهوناً : - سيمرّ الأمر .. و ستستعيدينَ حياتكِ السعيدة من جديد صدقيني . لزمتُ الصمت ، و استرجعتُ الأيام التي أمضيتها معَ ( إدوارد ) منذ بدايتها حتى الآن .. كانَ لقاءنا جميلاً ، و البدايةُ معه كالحلم .. قلتُ و أنا أشعر بالإختناقِ : - ليتهُ لم يقتطف مني عمراً يا ( كارلوس ) .. سأفتقد الكثيرَ من الأشياء بعده .. كل شيءٍ سيتغير . - كل الأشياء لا تدوم .. حتى هو و ماله . ثمّ قال بنفادِ صبر : - آه ( كريستينا ) ؟!.. هل تبكينَ على حياةِ القهرِ الذي كنتِ تعيشينها معه ؟! ابتسمتُ بمضضٍ و قلت : - لا .. لكن ، أشعر بالتِّيه ، و كأنني سأُتْرَكُ للضياع .. عليّ الآن أن أبدأ حياةً جديدة ! - سنبنيها معاً .. إن كنتِ لا تمانعين . رفعتُ عينيّ إلى عينيه .. و كأني لم استوعب تماماً ما يقصد . فجأةً سمعتُ صوتاً يناديني : - ( كريستينا ) ؟! التفتَ كلانا إلى حيثُ جاءنا الصوت .. فإذا بي أرى ( إدوارد ) ..! كانَ واقفً بعيداً بعضَ الشي .. حينَ نظرنا إليه قال لي : - تعاليّ إليّ . شعرتُ بالقلق ، و تمسكتُ بكف ( كارلوس ) التي كانت تشد على كفي .. نظرَ إليّ ( كارلوس ) سائلاً : - هذا زوجكِ ؟! هززتُ رأسي بالإيجاب و أنا مازلتُ أنظر لـ ( إدوارد ) .. ثم تركتُ يدَ ( كارلوس ) و وقفتُ قائلة : - سأذهب لأراه . و سرتُ بهدوءٍ إليه ، و هو لا يزال واقفاً يحدق بي و هو قاطب الجبين .. توقفتُ أمامه و قلت بارتباك : - ماذا يا ( إدوارد ) ؟.. كيفَ عرفتَ أني هنا ؟! قال و الإنزعاجُ بادٍ عليه : - أثارني الفضول نحو صديقكِ هذا .. فارسلتُ أحداً يتقصاكِ لأجدكِ و إياه . عقدتُ حاجباي .. حيثُ أنه لم يرُقنِي ما سمعته ، بينما قال : - أهذا البائسُ صديقكِ ؟.. أتراه هوَ من حرضكِ على تركي عاجلاً يا ( كريستينا ) ؟! قلتُ بنبرةٍ حادة : - أبداً ، بل شئتُ ذلكَ بإرادتي .. لأني أعيشُ في جحيمٍ معك ! - لا تناسبكِ حياةَ البؤساءِ يا ( كريستينا ) ، مكانكِ المناسب في منزلي .. معي أنا ! قلتُ بقهر : - ستتزوج !.. ثم تنبذني لتجعلني بائسةً حقاً و تعيسة ! - لا أعرفُ حتى الآن متى سأتزوج من ( جوليا ) .. قلتُ مؤكدةً و أنا أرفعُ حاجباي : - لكنكَ ستتزوجها !.. - ستكونينَ بخيرٍ معي حتى ذلكَ الحين . هززتُ رأسي بالنفي ، و قلت بمرارة : - قد هشمتَ قلبي منذ الليلةِ الأولى .. البقاء معكَ صعبٌ و لا يطاق .. فلا تتخيل أنّ حياتي رهينةً بك . صمتَ و هو يحدق في عيني .. فقلت : - مازلتَ على وعدكَ لي !.. غداً سنتطلق .. و ستعطيني تعويضاً !.. ما زال صامتاً و هو يحدق في عيني بغضب ، فقلت : - وداعاً . استدرتُ عنه فورَ قولي وداعاً خشيةً من تساقط دموعي أمامه .. يجب أن لا يشعرَ بانكساري ، سأواجهَ الحياة بدونه .. سأبنيها من جديدٍ دونَ أن ينتهزَ حاجتي أحد .. كنتُ فرحةً لأجلِ المال و الهناء .. لكني فهمتُ أن المال لا يكفي حينَ تكونُ وحيداً .. إنكَ لا تستمتع ، و لا يطيبُ لكَ شيئ دونَ الحياة معَ شخصٍ يهتم بك . وقفتُ عندَ ( كارلوس ) و أمسكتُ بكفه .. قال لي : - ماذا يريد ؟ - يريدُ دفني من جديد .. لكنني قررتُ الحياةَ معك . ابتسمَ ( كارلوس ) .. و قال بسعادة : - إذاً .. لن تمتنعي عن الزواجِ بي !؟ هززتُ رأسي و ابتسامةٌ صغيرة على شفتي .. و قلت : - لا .. عانقني بقوةٍ و هو يضحك .. فضحكتُ أنا الأخرى و قد أحسستُ بالإنشراح . سنمضي معاً ، و سأواري ذاكَ الجزء خلفَ السعادةِ التي أبحث عنها .. و أنا على يقينٍ أني وجدتها معَ الشخص المناسب .. |
|
|
|
|